أميرة صليبيخ


نمضي في الحياة بقلوبٍ مُثقلة وأحلامٍ مؤجلة، ولكننا نمضي على أمل أن نجد نوراً في نهاية النفق، ذلك هو الإيمان بالله وحسن التوكل عليه. نؤمن بأن ما يحدث لنا يكمن الخير من ورائه، ونجاهد من أجل الاحتفاظ بهذا اليقين الذي يتأرجح بين القوة والضعف. وقد نصل لدرجةٍ من العجز وعدم الاستيعاب لما يحدث ولماذا يحدث! لم هذه القسوة؟ أين عدالة الله؟ بل أين الله مما يحدث؟ هي أسئلة لا إجابة واضحة لها قد تقود البعض للجنون أو الكفر أو اليأس من الله سبحانه وتعالى.

ولذلك تأتي سورة الكهف في كل جمعة «قصة موسى والخضر» كتذكير لنا كمسلمين بأن ما يحدث لنا هو خير وصلاح مهما اعتقدنا العكس. فقد ندرك هذه الحقيقة وربما تبقى مخفية في علم الغيب للأبد، فليست جميع العقول قادرة على استيعاب حكمة الله في أدق تفاصيل الأحداث.

فرحلة موسى مع الخضر -وهي قصة مليئة بالرموز- تختصر أحوال البشر ومواقفهم، ووجود خضر في القصص يرمز إلى القدر. فالقصة الأولى قصة «خرق السفينة» التي خرقها بعد أن قام أهل السفينة بإيصاله ومساعدته، فرّد جميلهم بهذا الفعل المسيء.

والقصة الثانية هي «قتل الغلام» وكان عملاً بشعاً لم يستطع موسى تقبله، فكيف يقتل هذا الطفل البريء؟ أما القصة الأخيرة فهي «قصة الجدار» في القرية البخيلة التي رفضوا أن يطعموهم ويضيفوّهم، فقام الخضر بإعادة بنائه دون أن يطلب أجراً منهم!

ونحن البشر مثل موسى أيضاً. نعتب ونغضب ولا نستطيع أن نفقه السر وراء مجريات الأمور وكأن الأقدار تعاندنا، وتتعمّد إيلامنا في كل ما يحدث لنا.

فقصة السفينة تشير إلى ما يحدث لنا من تعطيل وتدمير لما نريده في الحياة. فلو لم يحدث هذا العيب الصغير في السفينة لأخذها الملك الظالم.

قس على ذلك ما يحدث في حياتك، فلولا المصائب الصغيرة التي تقع لربما تعرضت لمصائب ومشاكل أكبر! وقصة الغلام ترمز إلى الخسائر وفقد الأشياء الغالية على قلوبنا من نفوس ومال وغيرها.

فلو لم يُقتل الغلام لكبر ليصبح طاغية يدمر الجميع، فكان قدر الله بموته رحمة له ولوالديه وللمجتمع وسيكون عوض الله لهم أعظم. أما قصة الجدار فهي ترمز إلى الخير والرزق الذي يتأخر عليك من زواج ومنصب وذرية، ففي النهاية سيأتيك خير مما تمنيت.

الحياة مليئة بمواقف ربما لن تستوعبها ما حييت، ولكن كل ما عليك فعله هو أن تؤمن بما يكتبه الله لك من قضاء وقدر.