الطموح لدى الأفراد لا سقف له، والتعلم مدى الحياة هو أحد محفزات تحقيق الأهداف الطموحة، بل هو هدف طموح بحد ذاته. مع الأسف لا تتوافر الظروف المناسبة للجميع لتحقيق أهدافه، بما فيها أهدافه الدراسية، ويضطر البعض للعودة إلى هذه الأهداف في مراحل لاحقة من حياته. ولكن هل لدى الجميع الطاقة والوقت ليبدأ من الصفر أو أن يواصل مسيرة التعلم في المكان الذي وقف فيه قبل سنوات مع أنه اكتسب الكثير والكثير من المعارف والمهارات والكفايات خلال تلك السنوات؟ أليست الخبرة العملية في أحيانٍ كثيرة أثمن وظيفياً من بعض المقررات التعليمية بل ربما تتجاوز قيمة بعض الشهادات العلمية، فهل من العدل ألا ينظر فيها؟ هناك حلول علمية مدروسة ومجرّبة لهذا الوضع، وأبرزها أداة تعرف بـ Recognition of Prior Learning أي الاعتراف بالتعلم المسبق.

إن الاعتراف بالتعلم المسبق هي عملية تقوم بها مؤسسات التعليم والتدريب أو الجهات المسؤولة لتقييم التعلم غير الرسمي وغير النظامي، أو بشكل أدق تقييم كل تعلم لا يخضع لقوانين الفصل الدراسي الرسمي. فكم من فرد نعرفه في محيطنا لم تكن لديه القدرة لإكمال تعليمه النظامي بشتى مستوياته بالرغم من استمرارية عملية التعلم لديه من خلال التجارب الحياتية والعملية والتطبيقات العملية لمهارات التخصص والعمل في مهنته ووظيفته. فالناس يتعلمون كل يوم وفي كل مكان، في المنزل، في العمل أو حتى عند اللجوء لحل مشكلة خلال مشاهدة فيديو إرشادي في الإنترنت.

وهذا نظام بدأت بوادره في أواخر الثمانينيات في برنامج مدروس في أسكتلندا لتقييم المهارات المكتسبة ضمن متطلبات ومعايير برامج المؤهلات المهنية الوطنية والأسكتلندية، كما يملك مجلس التدريب الوطني في أستراليا معاييره الخاصة لتقييم التعلم المسبق والاعتراف به، كما أن للرابطة الكندية لتقييم التعلم المسبق معاييرها بهذا الشأن، وفي كل من الولايات المتحدة الأمريكية ونيوزلندا وجنوب إفريقيا فإن هناك أيضاً توجهاً ونظاماً في موضوع التعليم المسبق وتقييمه.



ويكمن الجانب الإيجابي في أن مملكة البحرين لديها تحت سياسيات الإطار الوطني للمؤهلات سياسة تعنى بالتعلم مدى الحياة، وفي ذات السياسة يوجد ذكر صريح وواضح للاعتراف بالتعلم المسبق والحرص على أن تكون جميع المؤسسات المدرجة في الإطار الوطني للمؤهلات جاهزة لتطبيق هذه السياسة.

إن من أهم مزايا الاعتراف بالتعلم المسبق على مستوى الأفراد متمثلة في رفع مستوى الاعتداد بالنفس لدى المتعلمين والموظفين، وتوفير فرص وظيفية لمستويات عدة بدل حصرها على مستويات معينة، وإعطاء فرص جديدة للراغبين بالتعلم ممن لم يستطيعوا إكمال تعليمهم بسبب ظروف مادية أو اجتماعية أو حتى نفسية. كما وأن هناك مزايا على المستوى الوطني تتمثل في الإسهام في خفض المصروفات المهدرة والمرصودة للتعليم والتدريب على إعادة تعليم ما تمّ اكتسابه في التعلم غير النظامي، والمساهمة في تحقيق هدف مهم من أهداف رؤية البحرين الاقتصادية 2030 المعني بحصول البحرينيين على أعلى مستوى من التعليم.

الاعتراف بالتعلم المسبق بشكل مقنن ومدروس بات مطلباً ملحاً في مملكتنا، وأمراً مكملاً للإصلاحات التعليمية والاقتصادية، مما سينعكس إيجاباً على الأفراد والمؤسسات الحكومية والخاصة.

* باحثة واستشارية مناهج في "بوليتكنك البحرين"