أ ف ب


بعد محطته في النجف وأور، يتوجه البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، الأحد، في اليوم الثالث من زيارته التاريخية للعراق شمالاً، حيث يحيي قداساً في أربيل سيضمّ الآلاف، ثمّ يزور الموصل وقرقوش اللتين عانتا على مدى 3 سنوات من انتهاكات داعش.

وتحمل هذه المحطة من الزيارة أهمية كبرى، لا سيما أن محافظة نينوى، وعاصمتها الموصل، تشكّل مركز الطائفة المسيحية في العراق، وتعرّضت كنائسها وأديرتها الضاربة في القدم لدمار كبير على يد التنظيم. وسيتلو البابا صلاة "من أجل أرواح ضحايا الحرب".

ولا تزال آثار الحرب ظاهرة في الموصل، رغم مرور 3 سنوات على طرد التنظيم منها، بعد معارك امتدت شهوراً طويلة مع الحكومة العراقية، خلّفت مئات الضحايا ودفعت الآلاف للنزوح.


وكان البابا ندّد بكلمته السبت من أور في جنوب العراق بـ"الإرهاب الذي يسيء إلى الدين"، وقال: "نحن المؤمنين، لا يمكن أن نصمت عندما يسيء الإرهاب للدين. بل واجب علينا إزالة سوء الفهم".

"رفع المعنويات"

يأمل عدنان يوسف، وهو مسيحي من سكان نينوى أن تكون الزيارة "فاتحة خير لأبناء الشعب العراقي".

ويرى الأب جورج جحولة، من قرقوش الواقعة على بعد 30 كلم إلى جنوب الموصل، أن "هذه الزيارة مهمة جداً لأنها ستساهم برفع معنوياتنا بعد سنوات من المصاعب والمشاكل والحروب"، علماً أن أعداد المسيحيين تناقصت جداً على مر العقود بسبب الحروب والأزمات.

ولم يبقَ في العراق اليوم سوى 400 ألف مسيحي من سكانه البالغ عددهم 40 مليوناً بعدما كان عددهم 1.5 مليون عام 2003 قبل الغزو الأميركي للعراق.

ويلتقي البابا مسيحي المنطقة، في المدينة القديمة في الموصل، التي كانت في يوم من الأيام مركزاً للتجارة في الشرق الأوسط لكنها الآن عبارة عن ركام. وفي شوارع الموصل التي لا تخلو من الدمار، ارتفعت لافتات كتب عليها "الموصل ترحب بالبابا فرنسيس".

ولا يوجد في نينوى ملعب رياضي مناسب أو كاتدرائية لإقامة قداس بابوي، كما يوضح رئيس أساقفة الموصل ميخائيل نجيب لوكالة الصحافة الفرنسية "فرانس برس". ويضيف أن هناك "14 كنيسة مدمرة، 7 منها تعود للقرون الخامس والسادس والسابع".

وتمنى حسام الخواجة، وهو مسيحي من سكان الموصل "أن تكون زيارة البابا حافزاً لإرجاع المسيحيين".

ولا يزال هناك عشرات آلاف النازحين من نينوى لم يعودوا إلى بيوتهم حتى الآن.

تحديات أمنية وصحية

ولا تخلو زيارة البابا من تحديات أمنية، وهي تتم وسط إجراءات مشددة. ويعبر البابا خلالها مسافة 1445 كلم، في سيارة مصفحة، أو في طائرة ومروحية خاصة، فوق أراضٍ لا تزال تختبأ فيها خلايا سرية للتنظيم.

وبعد الموصل، يزور البابا بلدة قرقوش. ويستعدّ سكانها لاستقباله بهدية فريدة تعكس تراث منطقتهم، عبارة عن وشاح صمم له خصيصاً، إضافة إلى استعدادات أخرى من زينة ورايات ترحيباً به.

ولبلدة قرقوش أو بغديدة تاريخ قديم جداً سابق للمسيحية. يتحدث سكانها اليوم لهجة حديثة من الآرامية، لغة المسيح، ولذلك تعدّ محطة مهمة في زيارة البابا.

ولحق دمار كبير بقرقوش على يد تنظيم داعش، ولا يزال الوضع الأمني متوتراً مع انتشار الجماعات المسلحة في السهول المحيطة.

وهناك، يزور البابا كنيسة الطاهرة التي دمرها داعش، وأعيد ترميمها بالكامل.

وهذه أول زيارة بابوية على الإطلاق للعراق، يحقق فيها البابا فرنسيس حلماً لطالما راود البابا الأسبق يوحنا بولس الثاني. لكن بالإضافة إلى التحديات الأمنية، تأتي الزيارة وسط تحدٍّ صحي أيضاً، مع زيادة بأعداد الإصابات بكورونا، والتي حرمت الحشود من ملاقاة البابا وإلقاء التحية عليه.

في إحدى محطات زيارته، يقيم البابا قداساً في الهواء الطلق في أربيل عاصمة إقليم كردستان، في ملعب يتسع لأكثر من 20 ألف شخص لكن لن يضمّ سوى 4 آلاف.

وتنعم إربيل بوضع أمني مستقرّ نسبياً، كما أن وضع البنى التحتية فيها جيّد.

وعندما اجتاح داعش شمال العراق، لجأ مئات آلاف المسيحيين والمسلمين والإيزيديين إلى إقليم كردستان.

وكان البابا وصف الإيزيديين في خطاب الجمعة بـ"الضحايا الأبرياء للهجمية المتهورة وعديمة الإنسانية، فقد تعرضوا للاضطهاد والقتل، وتعرضت هويتهم وبقاؤهم نفسه للخطر".

وفي اليوم الثاني من زيارته التاريخية، التقى البابا السبت في النجف المرجع الشيعي علي السيستاني الذي أعلن اهتمامه بـ"أمن وسلام" المسيحيين العراقيين.

ومنذ وصوله الجمعة إلى بغداد، تطرق البابا إلى كل المواضيع الحساسة والقضايا التي يعانيها العراق، قائلاً: "لتصمت الأسلحة. ولنضع حداً لانتشارها هنا وفي كل مكان".