كشف كتاب جديد مخصص لدور وكالة المخابرات المركزية (CIA) في أفريقيا، تفاصيل من شراكتها السرية مع الاستخبارات الخارجية البريطانية M16 بقتل رئيس الكونغو باتريس لومومبا في كانون الأول/ يناير عام 1961، وأيضا في قتل الأمين العام للأمم المتحدة داغ همرشولد بشهر أيلول/ سبتمبر من العام نفسه، وكذلك في اختراق شبكة اتصالات الأمم المتحدة والاتصالات المشفرة لموظفيها في مرحلة التجهيز الأمريكي البريطاني لاحتلال العراق.

وتعرض الأكاديمية في جامعة لندن الدكتورة سوزان ويليامز، في كتابها الأخير بعنوان ”الغلّ الأبيض White Malice“، حيثيات بعضها غير مسبوق في طبيعة التعاون الذي نفذت فيه المخابرات الأمريكية والبريطانية في عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، سلسلة من العمليات الانقلابية بدءًا من الإطاحة برئيس وزراء إيران محمد مصدق في عام 1953، مرورا باغتيال لومومبا وهمرشولد مطالع الستينيات وانتهاء بقلب نظام حكم كوامي نكروما، أول رئيس لغانا.

التخلص من لومومبا



في تفاصيل التعاون بين المخابرات البريطانية والأمريكية للتخلص من رئيس الكونغو باتريس لومومبا، يعرض كتاب ”الغلّ الأبيض“ كيف جرى تعريضه لحملة طويلة لتشويه سمعته قبل أسره وتعذيبه واغتياله في الـ17 من كانون الأول/يناير 1961.

ويكشف الكتاب، أن رئيسة محطة الاستخبارات البريطانية M16 في الكونغو كانت دافني بارك، التي تعمل تحت غطاء القنصل في السفارة البريطانية.

وأشار إلى أنها كانت على اطلاع تام بما تقوم به وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، بما في ذلك خطة لتسميم لومومبا. فقد كانت قريبة جدا من لاري ديفلين، رئيس محطة وكالة المخابرات المركزية وتنسق معه.

وتعرض المؤلفة روايات على لسان بارك بشأن مقتل لومومبا، تعترف فيها بالتنسيق بين المخابرات الأمريكية والبريطانية في التخلص منه وأنها هي التي رتبت العملية.

انقلاب القرن الاستخباراتي

ويصف الكتاب كيف أن وكالة المخابرات المركزية، لم تكن فقط تقدم الرشاوى للوفود الأجنبية في الأمم المتحدة، بل اعترضت بانتظام الاتصالات المشفرة لموظفي الأمم المتحدة.

فعلوا ذلك بمساعدة أجهزة Crypto AG، التي صنعتها شركة مقرها سويسرا مملوكة سرّا لوكالة المخابرات المركزية ووكالة الاستخبارات الأجنبية BND في ألمانيا الغربية.

ويكشف الكتاب أن 4 دول على الأقل – بريطانيا وإسرائيل والسويد وسويسرا – كانت تعلم بعملية اختراق الاتصالات المشفرة لموظفي الأمم المتحدة بمن فيهم الأمين العام داغ همرشولد.

ولشدة أهمية هذا الاختراق الاتصالي، فقد وصفته وكالة المخابرات المركزية بأنه ”انقلاب القرن الاستخباراتي“.

كما يكشف الكتاب، أن هذا النظام جرى استخدامه لاحقا في مرحلة التمهيد الأمريكي البريطاني لاحتلال العراق، إذ نسقت المخابرات البريطانية والأمريكية لتوظيفه في اختراق وخلخلة شبكة الاتصالات المشفرة في الأمم المتحدة.

إسقاط طائرة همرشولد

وتكشف مؤلفة كتاب “ الغلّ الأبيض“ أن الاتصالات المشفرة لأمين عام الأمم المتحدة داغ همرشولد، والتي كانت تتم بجهاز CX-52، كان يجري اختراقها من طرف وكالات الاستخبارات البريطانية والأمريكية بتقنيات Crypto AG.

وقُتل همرشولد، يوم الـ17 من أيلول/ سبتمبر 1961، عندما تحطمت طائرته في شمال روديسيا (لاحقًا زامبيا) بالقرب من حدود الكونغو.

ويعرض الكتاب كيف أن الاتصالات المرسلة من جهازي التشفير اللذين كان يستخدمهما همرشولد، تم اعتراضهما سرّا من قبل وكالات الاستخبارات البريطانية والأمريكية، وجرى تحديد حيثيات الطائرة.

وتنقل المؤلفة شهادة من ضابط المخابرات الأمريكية تشارلز سوثال الذي كان ملحقا بمحطة الاستماع التابعة لمركز المخابرات البريطانية GCHQ في قبرص، تفيد بأنه سمع تسجيل تعليق طيار يعتقد أنه مرتزق بلجيكي، لحظة إسقاط طائرة همرشولد التي كانت من نوع DC-6.

وقال الضابط سوثال إن وحدة المخابرات المركزية الأمريكية كانت، في رأيه، هي المسؤولة عن إسقاط الطائرة.

وينقل الكتاب وثائق من منظمة في جنوب أفريقيا مرتبطة بالمرتزقة، تشير إحداها إلى أن مدير وكالة المخابرات المركزية ألين دالاس أشرف على ترتيبات قتل همرشولد في ما سُمي بـ“عملية سيليست“.

تقول الوثيقة إن دالاس كان حريصًا على إنجاح عملية القتل، إذ خاطب القائمين عليها بقوله ”أريد التخلص منه بشكل أكثر كفاءة مما كان حصل مع باتريس لومومبا“.