يتميز الدين الإسلامي بسعة أفقه وكونه يمتلك خلفية عقائدية فكرية ثرية في مختلف المجالات والأمور على كل الأصعدة، ولعل قوة الحجة والشفافية والوضوح في مخاطبة الآخر ومناقشته، من أهم تلك المميزات، ولهذا فإن الالتقاء بأتباع الديانات السماوية الأخرى، ولاسيما الديانة اليهودية، ليس بالأمر المحرم والمنهي عنه بموجب النصوص الشرعية، خصوصاً وأن الآية رقم 8 من سورة الممتحنة تقول «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم»، وهي واضحة المقاصد بهذا الصدد، حيث إن الله سبحانه وتعالى لم ينهنا أبداً عن الذين لم يقاتلونا من أتباع الديانات الأخرى والإحسان إليهم والانفتاح عليهم، بل حتى إنه جل وعلا دعانا إلى الالتقاء بهم ومحاورتهم.
طوال الأعوام الماضية، واستجابة منا لدعوة الله سبحانه وتعالى، فقد قمنا بزيارات متعددة بما نمثل من موقعنا الإسلامي وزرنا حضرة الفاتيكان وكذلك المطارنة والقساوسة والرهبان في لبنان وعدة دول أوروبية، وكذلك الحال خلال جولتنا الأوروبية الأخيرة حيث قمنا بزيارة رسمية علانية إلى الكنيس اليهودي في باريس، والتقينا مع حاخامات اليهود، وكل ذلك تم في النور وليس خلف الكواليس أو في الظلام بعيداً عن الأنظار، لأنه ليس لدينا من شيء كي نخفيه أو نتهرب منه بقدر ما لدينا من رسالة ونهج إنساني - تربوي - وسطي معتدل نسعى لتشييد بنيانه ونرغب بشدة في إيصاله إلى العالم كله لنثبت اعتدالية ووسطية الإسلام وانفتاحه على الأديان وعلى الإنسانية.
أولئك الذين يسعون لحرف الحقائق وتزييفها أو قلبها والتصيد في المياه العكرة من خلال التشكيك بلقاءاتنا بحاخامات اليهود في باريس، فإننا نقول بأننا نسير على نهج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الشفاف خصوصاً ما جاء عنه «ع» في رسالته لمالك الأشتر: «يا مالك إن الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق»، وإذا لم يكن ينهانا أمير المؤمنين الذي كان بحق «القرآن الناطق»، عن من هو نظير لنا في الخلق بغض النظر عن دينه وعرقه وطائفته، فبأي حق يتم منعنا عن أناس مؤمنين بالله لهم كتاب سماوي؟!.
إننا ومن موقعنا الإسلامي، نضع دائماً الآية الكريمة رقم 143 من سورة البقرة «وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً»، نصب أعيننا ونبذل كل ما بوسعنا من أجل إثبات وتجسيد الوسطية والاعتدال في الإسلام كأمر واقع، هذه الوسطية والاعتدال الذي تم توضيحه بصورة كاملة من خلال الآية الكريمة رقم 13 من سورة الحجرات «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير»، وإننا ولثقتنا الكاملة والمطلقة بما يدعونا إليه الله تعالى من خلال كلامه المجيد، نمضي دونما وجل وبمنتهى الاطمئنان والثقة في هذا الطريق الذي رسمه وحدده لنا ديننا الحنيف.
الإسلام لم يكن في يوم ما مدرسة للحقد والفناء والقتل والدمار كما يحاول اليوم المتطرفون إظهاره هذه الأيام، وإنما كان مدرسة التسامح والتعايش السلمي والمحبة والتعاون والتعاضد الاجتماعي والإنساني، وأن الجماعات والتنظيمات المتطرفة الإرهابية التي تحاول إظهار الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على الأديان والعالم كله على أنه دين منغلق وانطوائي يعتمد على القتل وإقصاء ونبذ الآخر ونشر الخوف والذعر والدمار في كل مكان، فإننا نود تذكير البعض المترصد بنا بأن الدين الإسلامي قد أولى اهتماماً استثنائياً بالجانب الأمني للإنسان كما جاء في سورة قريش «الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف».
وإننا نرى أنه من صلب واجب العلماء المسلمين أن يبادروا لأداء دورهم بشأن تأكيد السلام على ضرورة توفير الأمن والاستقرار للإنسان وليس إرعابه وإرهابه كما يفعل الموتورون والذين يتصرفون بمنطق «لا تقربوا الصلاة»، حيث تبعيض الآيات وعدم أخذها على شموليتها ومعناها ومقاصدها الأساسية والنهائية.
إننا ومن خلال تحركاتنا ونشاطاتنا على مختلف الأصعدة وبكافة الاتجاهات، اضطلعنا دائماً بما رأيناه ونراه مطابقاً لما دعانا إليه الله تعالى في محكم كتابه الكريم، وقمنا بدورنا الديني بلا محذور ونحن لا ولم نفعل شيئاً استحينا أو نستحي منه، ولا نخالف القانون بل عملنا من منطلق إسلامنا الذي دعانا إلى الانفتاح على الناس أجمعين والدعوة إلى المحبة والتآلف والتعاضد والله من وراء القصد.
* الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان