مزيج من الحب جاء معه من الهفوف بالسعودية إلى المنامة بالبحرين، «صدمة حضارية «هكذا قال الشاعر الإنسان عندما انتقل للعيش في البحرين وبالتحديد في مدينة المنامة الساحلية آنذاك، فكبر بين أحيائها من طفل كان يكره الظلام ويبحث عن النور دائماً ويطارد الذين يقفلون الأنوار لفتحها، إلى أن كوّن علاقاته وصداقاته حيث كبر وترعرع في مدارس البحرين التي أحب، حتى وصل إلى المرحلة الثانوية العامة فانتقل للدراسة إلى القاهرة منارة الفكر والثقافة، حيث شقة الحرية وهناك اختلطت مشاعر الخوف والغربة عنده ليبدأ أولى تجاربه بأول قصيدة في صفحة الشاعر المصري صالح جودت باسم مستعار لأنه كتب في أول خطاب لجودت بأنه طالب بالثانوية ويرغب في النشر فرفض طلبه فاضطر أن يكتب باسم مستعار حتى عام 1958 حين أفصح عن إسمه الحقيقي فابتدأ مشواره هناك في قاهرة المعز فحصل على ليسانس الحقوق في مرحلة مهمة جداً عاصرها القصيبي في مصر العريقة حيث زمن عبدالناصر ونشاط التيارات السياسية والفكرية والإسلامية والتي ألهمته لكتابة أشهر رواياته شقة الحرية.

ولكن هل يا ترى عندما رأيت ضوء المنامة لاح وسمعت نداء مئذنة مضيئة ترفرف كالحمامة كنت تعلم أنه سيكون لك نصيب ببيت في قلب المنامة يخلّد ذكراك في قلوب محبيك؟

حين زار القصيبي بيت إبراهيم العريض «بيت الشعر» مع زوجته بعد شهور من افتتاحه، وفِي غرفة مأثورات العريض تحديداً تمنى أن تعرض صوره ورسائله في بيت جميل كبيت العريض بعد رحيله فها هو يتحقق الحلم!

هذا الإنسان الأديب الشاعر الدبلوماسي يستحق التقدير في بيت يحمل مأثوراته في أجمل أحياء المنامة «فريج الفاضل» وهو من أهم الأحياء التي خرج منها رجال الفكر والسياسة والفن والأدب والمسرح في البحرين.

إن مشروع ترميم بيت خليفة بن عبدالرحمن القصيبي جاء ليحقق حلمك يا غازي فبدعمٍ من صاحب السّموّ الملكيّ الأمير الوليد بن طلال آل سعود «مؤسسة الوليد للإنسانية»، ومن خلال مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث الذي يحرص دائماً على الحفاظ على الإرث الفكري والسيري والمكاني، رمم البيت بتصميم مبهر وبجهود واضحة بالشكل التراثي التقليدي الأصيل وبالتصاميم الحديثة الرائعة ، حيث استعان مركز الشيخ إبراهيم بفريق دولي لإبراز هذا البيت الذي سيكون مزاراً لهذه الشخصية المكتنزة بالمعرفة والسياسة ومحبة الناس.

جاء بيت القصيبي بتصاميم جميلة وأعمال وحديقة رائعة وقاعة للمعارض المؤقتة وللنشاطات الثقافية من قبل فنانين مبدعين وضعوا لمساتهم على المكان، منهم ناصر السالم الذي تمتاز لوحاته بمزيج من الخط العربي الجميل في لوحته بلوحة «الضوء لاح» المستوحاة من قصيدته، والفنانة الشيخة هلا بنت محمد آل خليفة في عمل فني «في عين العاصفة» التي جاءت تحية لعروبة هذا الإنسان في منامة القصيبي، وبكر شيخون في عمل جميل يحمل معنى الفن المفاهيمي كتب فيه قصيدة القصيبي عند افتتاح جسر الملك فهد «ضرب من العشق لا درب من الحجر»، وكريستوفر مارتن وماديسون كوكس الذي صمم الحديقة، وعمار بشير الذي صمم المقهى وشركة لاميدوس.

نعم هو بيت جميل في المدينة التي أحب، شكرًا لك سيدة الثقافة معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة وعدتِ فوفيتِ كعادتك بهذا البيت الذي كان بمثابة حلم إنسان يستحق أن تخلّد سيرته بل تدّرس كتبه ومنهجه بالجامعات العربية والعالمية، فنحن بحاجة لهذه المشاريع الماسية لإحياء سيرة أناس يستحقون التقدير بل وتنقش سيرهم في ذاكرتنا بحروف من ذهب.

رحمك الله يا غازي القصيبي.. فأنت ستظل غازياً لقلوبنا بعلمك وفكرك وشعرك واتزانك ودبلوماسيتك وسيداً بعروبتك الأصيلة، باقية ذكراك في جميع الأوساط الثقافية والمحافل الدولية العالمية.. وهنيئاً لنا «منامة القصيبي».