ليس فقط الوسط الرياضي الذي اهتم بمبادرة سمو الشيخ ناصر بن حمد المعنية بإنشاء 100 ملعب في أحياء البحرين المختلفة، أو «الفرجان» كما نسميها، بل حتى الأوساط المجتمعية باختلافها.

الفكرة لاقت استحساناً كبيراً لأنها في مضمونها تسعى لإحياء «الأساس القديم» الذي انطلقت منه الرياضة في البحرين، وهنا نعني ممارسة الألعاب الرياضية في «الفرجان» وعلى الساحات الرملية التي تقع فيها، وحتى في شوارعها سواء الواسعة أو الضيقة.

هذا الإعلان شهد حالة تفاعل إيجابية في الوسط الرياضي على وجه الخصوص، إذ هذا الوسط بما يضمه من أجيال مختلفة، منها القديم الذي مازال يتحدث عن انطلاقة الرياضة بمسابقات منظمة مع النهضة المصاحبة لاكتشاف النفط، أو من يسمون الرعيل الأول الذين بدؤوا تأسيس المسابقات الرياضية، أو الأجيال التي أعقبتهم وصولاً إلى أبنائنا اليوم الذين يهمهم أن تكون في مناطق سكن ذويهم ملاعب وساحات رياضية.

الفكرة بأننا حركنا الشجن تجاه قضية قد تكون مهددة بالاندثار، خاصة مع الانتشار الكبير للألعاب الإلكترونية، وتفضيل شريحة الشباب، وحتى الكبار أن «يتسمروا» أمام شاشات «البلاي ستيشن» و«الإكس بوكس»، أو حتى هواتفهم النقالة، بدل التحرك وممارسة الرياضة الفعلية في الساحات أو أقلها المماشي المنتشرة في أرجاء البحرين.

إحصائيات السمنة في البحرين كبيرة جداً، والنسبة الغالبة تكشف بأن عدم ممارسة الرياضة والسلوكيات الخاطئة في الأكل، هي أسباب لتفشي السمنة، فالرياضة أصبحت في حياتنا «إكسسواراً» وليست «ضرورة»، وهذا فارق مؤثر بيننا وبين المجتمعات الغربية التي تهتم بالرياضة، وبناء على ذلك ترى النسبة المتفاوتة في متوسط أعمار البشر هنا وهناك. حتى عواجيزهم وشيابهم تجدهم أكثر حيوية وأخف وأسرع من نظرائهم في مجتمعنا.

حتى على الصعيد الرياضي، الحاجة لمثل هذه الملاعب مسألة ماسة، خاصة وأننا نرى حال رياضتنا «المترنح» بسبب اقتصارنا على الأندية الرياضية وما تسهم به تجاه الشباب، واختلاف ذلك عما تقدمه هذه الساحات، فالأندية تمارس أنشطتها سعياً للفوز بالمسابقات، بالتالي الهدف النتائج وليس «الانعكاس الإيجابي» على الفرد أو اللاعب، وهو ما يجعل الاحتراف المتمثل بـ«انتقالات» اللاعبين و«استقطاب» المهاريين هو الخيار الأول، وأيضاً البحث في صفوف الكفاءات الأجنبية وفق عملية «التعاقدات»، بينما الفكرة في إيجاد الساحات تتمثل أولاً بمنح مساحة لكل الشرائح بـ«التنفس بأريحية» تجاه ممارسة الرياضة، باعتبار أنها ليست «مهنة» وليست «فرضاً» يجب أن يؤدى، بل هي «أسلوب حياة» في اتباعه متعة وصحة، ولكن في جانب آخر، تخدم هذه الساحات الأندية الرياضية بما يحقق غايات الإنجاز والتنافسية.

وهنا يقول قائل «كيف»؟! والإجابة ليست كشفاً خارقاً، بل إجابة بديهية تقرن عملية استقطاب الكفاءات والطاقات للأندية وحتى المنتخبات عبر فئاتها المختلفة، بالأخص فئات البراعم والأشبال والناشئين، تقرنها بعملية «اكتشاف المواهب»، وذلك من خلال الكشافين الذين سيتمكنون من التنقل بين هذه الساحات ومتابعة المواهب بعين فاحصة، وبعدها تكون عملية الاحتواء والاستقطاب لهذه المواهب.

هل أبالغ؟! لا طبعاً، فهذه الطرائق والأساليب متبعة في أعرق منابع كرة القدم في العالم، مثل البرازيل التي لا تكاد تجد كيلومتراً واحداً وإلا فيه ملعب أو ساحة أو أقلها مساحة لممارسة الرياضية، والنتيجة واضحة لمن يتابع الرياضة ومنافساتها، وكذلك ينسحب الحال على بقية دول أمريكا اللاتينية وأوروبا الأمر الذي يجعلها منابع للطاقات الرياضية والمواهب.

هذه خطوة إيجابية لو تحققت، مشروع يخدم الفئات الصغيرة، ويفيد حتى الفئات الكبيرة في السن، لو تحققت بنفس الصورة التي قدمت سنجد نتائج إيجابية بالتأكيد، بغض النظر عن هدف النتائج والإنجازات، أهم إنجاز صناعة مجتمع رياضي حيوي يهتم بصحته وحياته.