تداولت وسائل التواصل الاجتماعي والإعلامي موقفاً جميلاً ولمسة وفاء أصيلة لسمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي وذلك عندما سمع خبر وفاة مُعلِمه بالمرحلة الابتدائية إبراهيم جاسم بو شعر بَعَثَ لأهله رسالة تعزية، وقام بتكليف سفير دولة الإمارات في البحرين بتمثيله في مجلس العزاء. عندما تمر السنون وتعلق في ذاكرتنا أسماء معلمينا ومواقفهم وهيبتهم وفضلهم علينا فيا ترى ما هو السبب وأين هو السر؟ هل هو هذا الحب والاحترام للمعلم ودوره الذي لا يقتصر على الجانب التعليمي وإنما يرتقي إلى الجانب التربوي حيث كان إحساس المعلم في السابق بأنه ليس معلماً فقط وإنما هو يحل مكان الأب كمربٍ للأبناء؟ أم هو هذا التقدير المشوب بالخوف من المعلم باعتباره الشخصية الاجتماعية التي يسبغ عليها الناس المهابة والاحترام حتى تصبح هذه الشخصية هي الأنموذج الاجتماعي؟ أم هو هذه الشخصية العلمية الموسوعية المتنقلة التي كان يعود إليها الطالب عند الاستفسار أو السؤال عن أي مجال من مجالات المعرفة في ظل غياب المصادر الأخرى المتاحة كما هو الحال الآن، حيث كان المعلم والكتاب آنذاك هما مصدر المعرفة؟

إن الحركة التعليمية التنويرية بالبحرين لإعداد المعلمين تعتبر حركة فذّة سبقت أشقاءها من دول الخليج العربي وكانت نقلة نوعية جديرة بالذكر بدءاً بأول صف خاص للمعلمين أفتتح عام 1940، ثم أنشئ فرع من التعليم الثانوي لإعدادهم وصقلهم وكانت مدته سنتان وذلك عام 1954، ثم في عام 1961تم إنشاء صفوف لإعداد المعلمات وعدلت مدّة الدراسة فيها من سنتين إلى ثلاث سنوات.

في عام 1974/1973 تم تأسيس مركز التأهيل التربوي أثناء الخدمة وذلك بالتعاون بين وزارة التربية والتعليم ومنظمة اليونيسيف وهي خطوة كانت نقلية ونوعية، ثم تم تغيير اسم المركز عام 1977 ليصبح «المركز التربوي للتأهيل والتدريب» والذي تخرّج منه مجموعة من أكفاء المعلمين والمربين الذين وضعوا اللبنات الأولى للتعليم ليس في البلاد فقط ولكن في عدد من دول الخليج العربي الشقيقة، وتعلًم على يدهم الكثير من الشخصيات والقادة والمسؤولين سواء من تلقوا التعليم بانتقالهم للدراسة داخل البحرين أو من تلقوا التعليم عن طريق انتقال هؤلاء المعلمين إلى دولهم والذي كان يتم عن طريق البعثات التعليمية بين دول الخليج لنشر الحركة التعليمية.

إن المعلم مهما ذكرنا من فضله علينا فنحن مقصرون في حقه، فالمعلم مربٍ، المعلم يعلمنا الثقافة والعلم وشؤون الحياة الاجتماعية، المعلم أب روحي، قائد، صديق لكل الطلاب وأولياء أمورهم، هو صمّام الأمان على مستقبل الأجيال، وهو الحنون والقلق والمفكر الذي يشغل تفكيره في أن يصبح طلابه هم دعامة البلد وعنصر ازدهار مستقبلها، وكم يفرح عندما يسمع أن فلاناً من طلابه أصبح طبيباً أو مهندساً أو وزيراً أو شخصاً ناجحاً في أي موقع من مواقع العمل والحياة،هذا هو المعلم الحريص على طلابه وعلى مستقبلهم.

إن مملكة البحرين تحتفل هذا العام بمرور 100 عام على التعليم النظامي، وبما أن المعلم له دور كبير في النهضة التنموية والثقافية والاجتماعية، وتاريخ المعلمين البحرينيين عريق وله بصمة واضحة في مسيرة النماء في البحرين، فعلينا تقدير جل عملهم بوفائنا لهم، والالتفات لتاريخ سيرهم الذاتية وتسجيل مواقفهم في كتاب يحمل سير هؤلاء الجواهر والنفائس من القيم الإنسانية العالية، وكل ما يحتاج الأمر هو لغة توثيقية تسجل تاريخ هؤلاء المعلمين والمعلمات الذين بجهودهم نحصد الآن ثمرة العطاء الذي منحوه للوطن من حياتهم وعلمهم وفكرهم واحتفاء بهذه المناسبة الغالية، مناسبة مرور قرن من الزمن على التعليم.

علينا دائماً وأبداً تقديم التحية لكل معلم رحل وبَقي في قلوب طلابه ببصماته الرائعة وتقدير كل معلم مخلص يفني جلّ وقته من أجل طلابه وتعليمهم، وتبجيل كل معلم يرسم ملامح المستقبل من خلال ما يوفره لطلابه من زاد معرفي وسلوك اجتماعي، فالتعليم ليس ما هو مدون في كتب المناهج فقط، وإنما الإضافة الملموسة الحقيقية في التعليم تكون على يد معلم مخلص يقدم كل ماهو جديد لفتح آفاق المستقبل لطلابه.

تحية من القلب لكل معلم علّمنا أبجديات المعرفة.. ولكل معلم منحنا من خبرته وعلمه كيفية العبور إلى ضفة النجاح والتفوق، واستثمار الفرص السانحة.