البعض يقول: «كلام الناس لا يهمني»، وفي هذا قول قد يكون صحيحاً لو كنا نتحدث عن مستويات فردية شخصية، باعتبار أن المجتمعات اليوم تمارس عملية إطلاق الأحكام، بل وتصل أحياناً للتدخل في الحياة الخاصة، ولهذه تداعيات قد تسبب ضرراً بالنسبة للأفراد.

لكن هذا الأمر لا ينطبق على الكيانات، بمعنى أن الأفراد اليوم يمتلكون حقهم في الخصوصية، وأيضاً لديهم الحق في التمسك بقناعاتهم وما يمارسونه في حياتهم الخاصة حتى لو انتقدهم الناس، فالفرد قيم ومسؤول على نفسه، وطالما أن ما يقوم به ليس له تبعات على مجتمعه، ولا تتأثر به شرائح، فإنه بالفعل «كلام الناس لا يجب أن يهمه»، رغم الجدلية القائلة بأن بعض كلام الناس قد تكون من ورائه منفعة، لو كان يتضمن إيجابيات أو نصائح يمكن الاستفادة منها.

لكننا اليوم في قطاعاتنا وفي أعمالنا، خاصة لو كنا مسؤولين عن أماكن عمل عامة تمثل الدولة، أو حتى قطاعات خاصة تمثل لنا تجارة أو استثماراً، لو كانت الشرائح المستهدفة من عملنا، أو «العملاء» كما يوصفون في علم الإدارة، فإن رأيهم مهم جداً، بل ومؤثر، وقد يؤدي تجاهله إلى تفاقم مشاكل أو تداعيات كبيرة.

لذلك نرى في القطاع الخاص، وهنا أضرب المثال لأن ما سأقوله مطبق بالفعل لدى الكثيرين منهم، باعتبارات السعي الدائم للربح وتجنب الخسارة، والأهم التأثير على السمعة، لأن السمعة التجارية مثلاً لأي مشروع مهمة، خاصة وأن خسارتها من قبل المجتمع لها تأثيرات خطيرة لا يجب الاستهانة بها، لذلك أقول بأننا نرى في القطاع الخاص عمليات «استقصاء» مستمرة، واستطلاعات واستبيانات دائمة ومتنوعة، استبيانات قوامها «الشرائح الممثلة» لحجم الشريحة العظمى، وأقسام شغلها الشاغل جمع المعلومات والآراء من الناس بالتحديد العملاء، والبحث لديهم ينصب على السلبيات أو مقترحات التطوير، وبعدها تتم دراستها، فتكون النتيجة بإيجاد أساليب تحل بها السلبيات، أو طرائق تعزز بها الإيجابيات، المهم المحافظة على السمعة، وتحقيق الرضا لدى العميل.

الآن، هناك توجه منذ سنوات في قطاعاتنا العامة، معني بزيادة نسبة الرضا لدى الشارع، والحصول على آراء الناس وانطباعاتهم بغية القضاء على السلبيات والتطوير باتجاه التحسين وتعزيز الإيجابيات، ولعل أبرز الأمثلة على الخطوات الجادة في هذا الاتجاه هو برنامج «تواصل»، والذي من خلاله يمكن إيصال الملاحظات «الجادة» مقرونة بالأدلة والشواهد، والهدف من ذلك تحقيق «العدالة» إن كان القضية المطروحة فيها شبهات للتظلم، وأيضاً الهدف هو التحسين والتطوير.

لكن هذا لا يعفي قطاعاتنا من مسؤولية هامة تجاه المجتمع، تتمثل بضرورة النزول للشارع، ومعرفة آراء الناس، وتقييم الخدمات والعمل بناء على ردود الفعل، إذ الناس هم «أصدق مرآة» للعمل، خاصة لو كانت آراؤهم مبنية على أساليب النقد البناء الساعي للإصلاح، وليست انتقادات مبعثها الشخصنة والاستهداف، لأن الأسلوب الأخير من شأنه أولاً التقليل من حجم الجهود التي تبذل، وثانياً وهو أمر خطر جداً، التأثير على سمعة هذا القطاع أو ذاك بما ينسف عمله، وبما يؤلب الناس عليه.

لذلك يجب ألا تتكاسل بعض القطاعات عن مواكبة ما يدور في الشارع، وما يدور بين الناس، إذ لا بد من التفاعل، وأيضاً التواصل لتصحيح الصور المغلوطة، ولتقديم المعلومات الصحيحة، والأهم لإبراز الجهود التي بعضها قد يكون مخفياً عن كثيرين، سواء أكان تقصيراً من القطاع، أو تقصيراً من الأفراد إن هم لم يبحثوا عن المعلومات الدقيقة.

وعليه نعيد طرح فكرة أهمية وجود مركز للقياس الشامل لآراء المجتمع، يتناول عديداً من القضايا والظواهر، ويتفاعل مع الناس، ويقف على آرائهم، ويحللها ويخلص بالتالي إلى نتائج وتوصيات يمكن أن ترفع للجهات المعنية حتى تتعامل معها في اتجاه التطوير والتحسين.

مثل هذه المراكز قد توجد في كل قطاع على حدة، أو قد تكون مركزاً وطنياً شاملاً يخدم الكل. المهم أن مبعث ذلك الرغبة في استقصاء رأي الناس، والوصول لحالة رضا لديهم، بما يعكس الصورة الحقيقية لحجم الجهود المبذولة.