* تغير العلاقات من "توازن القوى" في زمن حافظ الأسد للهيمنة الإيرانية بعهد بشار

* سوريا في قبضة إيران منذ تولي بشار مقاليد الحكم

* "تحالف الشرعية" تحرك خليجي عربي لمواجهة الهيمنة الإيرانية على اليمن



* قلق إسرائيل يدفعها لتوجيه ضربات جوية انتقائية لقواعد إيران بسوريا

* الانسحاب الأمريكي من سوريا يسمح لإيران و"داعش" بتطبيق أيديولوجياتهم بالمنطقة

* الوجود الإيراني بسوريا لدعم "حزب الله" وتنفيذ المخطط المذهبي بالمنطقة

* إيران لاعب فاعل في الأزمة السورية ولن تتنازل عن دورها المحوري بسهولة

* دور إيران في الصراع السوري مدفوع بمصالح وأهداف استراتيجية

* فتاوى المراجع الشيعية دفعت الشباب بدعم إيران للقتال مع الأسد بسوريا

* روسيا لا تعارض عزل الأسد على المدى البعيد بعكس إيران المتمسكة به هدفاً استراتيجياً

* عمليات "درع الفرات" و"غصن الزيتون" التركية هدفها تحييد المشروع الكردي

أجرى الحوار - وليد صبري

كشف الباحث في مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة "دراسات" محمد جاسم بوحسن عن أن "هناك خلافات سياسية واقتصادية استراتيجية تدفع روسيا بعدم السماح لإيران في التوسع في سوريا، ليس هذا فحسب بل وتحجيم قوة إيران في سوريا أيضاً"، مشيراً إلى أن من بين تلك القضايا الشائكة بين البلدين حول سوريا الخلاف حول شخص رئيس النظام السوري بشار الأسد"، موضحاً أن "موسكو تُظهر ليونةً حول الاستعداد للحد من صلاحياته أو عزله على المدى البعيد، فيما تتمسك إيران به وبصلاحياته كهدفٍ استراتيجي يخدم مصالحها".

وأضاف الباحث بوحسن في حوار خص به "الوطن" حول ملف العلاقات الإيرانية السورية منذ قيام نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية قبل نحو 4 عقود أنه "في مجال العلاقات الدولية، تتحكم المصالح ولا مجال للحديث عن القيم أو المبادئ أو المثل العليا، وهو ما نجد له تطبيقاً في سياسة إيران الخارجية عموماً وفي الأزمة السورية على وجه الخصوص".

ولفت إلى "تغير في العلاقات بين إيران وسوريا على مدار نحو 40 عاماً"، حيث اعتبر أن "العلاقات بين البلدين اتسمت بالندية وفق ما يسمى "التحالف المتوازن" إبان فترة حكم الرئيس الأب حافظ الأسد"، حيث كان الطرفان يتعاملان بمصلحية مع علاقاتهما وبقدر يراعي التوازنات على المستوى الدولي والإقليمي وخاصة الجانب السوري".

وأوضح أن "العلاقات تغيرت تماماً بعد قدوم الأسد الابن إلى السلطة"، مشيراً إلى أن "سوريا قبضة النظام الإيراني منذ تولي نظام بشار الأسد الحكم قبل نحو عقدين".

وشدد الباحث بمركز "دراسات" على أن "الوجود الإيراني بسوريا لدعم "حزب الله" وتنفيذ المخطط المذهبي بالمنطقة"، مضيفاً أن "فتاوى المراجع الشيعية دفعت الشباب بدعم إيران للقتال مع الأسد بسوريا".

ولفت إلى أن "الانسحاب الأمريكي من سوريا يسمح لإيران و"داعش" بتطبيق أيديولوجياتهم بالمنطقة"، موضحاً أن "قلق إسرائيل يدفعها لتوجيه ضربات جوية انتقائية لقواعد إيران بسوريا".

ورأى بوحسن من وجهة نظره أن "إيران لاعب فاعل في الأزمة السورية ولن تتنازل عن دورها المحوري بسهولة، لاسيما وأن دور طهران في الصراع السوري مدفوع بمصالح وأهداف استراتيجية"، على حد قوله.

من جهة أخرى، أكد الباحث بمركز "دراسات" أن "التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بقيادة السعودية يعد تحركاً خليجياً عربياً لمواجهة الهيمنة الإيرانية على اليمن". وإلى نص الحوار:

براغماتية إيرانية

* كيف تقيمون البراغماتية الإيرانية في وجود طهران في سوريا؟

- في مجال العلاقات الدولية، تتحكم المصالح ولا مجال للحديث عن القيم أو المبادئ أو المثل العليا، وهو ما نجد له تطبيقاً في سياسة إيران الخارجية عموماً وفي الأزمة السورية على وجه الخصوص، فعلى خلاف ما أظهرته إيران من دعم لبعض الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية التي شهدتها عدة دول، إلا أن موقفها مما شهدته سوريا منذ عام 2011 من أحداث كان مناقضاً لذلك، حيث كانت إيران ولاتزال واحدة من الداعمين الرئيسيين للنظام السوري، كما كان لها تأثير كبير على تطور الصراع.

فقد قدمت إيران صوراً عديدة من الدعم للنظام السوري سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي أو العسكري، وسعت منذ بداية الأزمة السورية إلى تكريس النفوذ الإيراني في سوريا، وتعزيز وجودها الاقتصادي والعسكري.

وعلى الرغم من الكلفة الباهظة للدعم الإيراني إلا أن الجانب الإيراني حرص على مواصلة تقديم الدعم وخاصة في شقة العسكري، وهو ما يدفع إلى أهمية فهم طبيعة الدور الإيراني في الأزمة السورية ومظاهر وجودها في سوريا وأهدافها من هذا التواجد وقدرتها على تحقيق هذه الأهداف وأدواتها في ذلك وإلى متى سيظل هذا الوجود في سوريا وما هي طبيعة العلاقة بين إيران وسوريا.

وقد حاولت من خلال إعدادي لدراسة تتضمن الوجود الإيراني في سوريا التعرف على طبيعة مسار العلاقات الإيرانية السورية لفهم بداية وأسس هذه العلاقات، ثم التعرف على الموقف الإيراني مما تشهده سوريا منذ عام 2011، وكيف حصل الوجود العسكري الإيراني في سوريا ومظاهر هذا الوجود باعتباره الدعم الأكبر الذي قدمته إيران للنظام السوري، وأثر هذا التواجد العسكري على مستقبل الوضع في سوريا وهل سيشهد تزايداً أو انحساراً والعوامل التي تتحكم في ذلك.

وقد عملت الدراسة أيضاً على التعرف على ماهية الدور الذي قامت به إيران بسوريا، وما حدود هذا الدور في ضوء المستجدات الحالية وخاصة بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية الانسحاب من سوريا وما تفرزه هذه المستجدات من تحديات وفرص.

من "التحالف المتوازن" لـ"الهيمنة"

* هل لنا أن نلقي الضوء على تطور العلاقات السورية الإيرانية منذ عام 1979 وحتى الآن؟

- جاءت الثورة الإيرانية عام 1979 لتحدث تحولاً كبيراً في العلاقات السورية الإيرانية. وبذلك نجد أن العلاقات السورية الإيرانية تمتد منذ ما يقرب من 4 عقود وقد كان لهذه العلاقات تأثير على مجريات الأمور في الشرق الأوسط، حيث انبثق التحالف بين سوريا وإيران من ثلاثة أسس شكلت هذا التحالف:

1- تصور مشترك للتهديدات المتمثلة في ذلك الحين في مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية المتمثلة في تدشين الشرعية للنظام السياسي الجديد بإيران وتكريس حكم الرئيس حافظ الأسد في مواجهة ضغوط المعارضة الداخلية التي وصلت لحد الصراع المسلح عام 1982 باعتبار أن حكم الأسد يمثل أقلية علوية تحكم أغلبية سنية، وكون النظامين معزولين إقليمياً، وكذلك يواجهان علاقات متوترة مع الجانب العراقي، حيث كان الجانب العراقي يدعم المحاولات الانقلابية داخل سوريا عبر دعم الحركات السنية التي يقودها "الإخوان المسلمون".

2- تلاقي عدد من المصالح، على سبيل المثال:

1- تعثر مشروع القومية العربية بعد توقيع اتفاقية "كامب ديفيد" بين مصر وإسرائيل وانسحاب مصر من الصراع العربي الإسرائيلي، مما أثار ردود فعل معارضة في معظم الدول العربية، وشعرت سوريا بالحاجة إلى البحث عن حليف قوي ضد إسرائيل بعد اختلال التوازن الإقليمي بانسحاب الطرف المصري من المعادلة.

2- قيام الثورة الإيرانية وقيام الأيديولوجية الإيرانية وبروز العامل الأيديولوجي في العلاقة بين البلدين خاصة بعد اعتراف الزعيم الشيعي اللبناني موسى الصدر بالطائفة العلوية.

3- قيام حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران في عام 1980. حيث رأى الجانب الإيراني أن العراق هو المنافس الإقليمي الأكبر له وبالتالي فإن هزيمته ستفتح الباب أمام تصدير ثورته للعالم العربي، وكذلك الحال بالنسبة للموقف السوري حيث اتخذت سوريا موقفاً مغايراً للموقف العربي من تلك الحرب حيث قامت بمساندة الجانب الإيراني منذ اللحظات الأولى، من خلال إغلاق خط أنابيب نفط عراقي كبير "كركوك-بانياس" والذي كان يمر عبر أراضيها.

4- الغزو الإسرائيلي للبنان في عام 1982 جعل المصالح تتقارب بين النظام الإيراني والنظام السوري بسبب اهتمام الجانبين بلبنان.

5- رغبة الطرفين كبح المحور الإسرائيلي التركي في التسعينات وتحقيق التوازن بين التحالف الأمريكي الإسرائيلي والسعودي التركي في القرن الحادي والعشرين، لا سيما منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية، حيث مثل عامل تقارب إضافي بين البلدين بتلك الفترة.

وعلى الرغم من هذا التقارب إلا أنه يمكن إطلاق اسم "التحالف المتوازن" على هذه المرحلة من العلاقات الإيرانية السورية، حيث اتسمت العلاقات بتلك الفترة بالندية بين الطرفين، فقد كان الطرفان يتعاملان بمصلحية مع علاقاتهما وبقدر يراعي التوازنات على المستوى الدولي والإقليمي وخاصة الجانب السوري.

وهو ما يتضح من موقف الرئيس السوري حافظ الأسد من المفاوضات من أجل عملية السلام التي انضمت لها سوريا في مدريد لنحو عشر سنوات خلال عقد التسعينات وذلك في شراكة مع الولايات المتحدة، بالرغم من الرفض الإيراني لمحادثات السلام مع إسرائيل، كما يتضح ذلك أيضاً من الوساطة السورية بين دولة الإمارات وإيران بفترة التسعينات بهدف التوصل إلى آليات لمعالجة قضية الجزر بموافقة إماراتية، كما حرصت القوات السورية على المشاركة إلى جانب القوات الدولية المشاركة في حرب الخليج الثانية، كما انضمت سوريا إلى تحالف "إعلان دمشق" القاضي بمشاركة قوات سورية ومصرية في ترتيبات أمن دول الخليج العربي، وهو ما يتناقض صراحة مع المطامع الإيرانية في تلك الدول.

أما مرحلة تولي بشار الأسد الحكم فيمكن إطلاق اسم مرحلة السيطرة والهيمنة على تلك المرحلة حيث اختلفت أنماط العلاقات بين الطرفين حتى يومنا هذا. فقد قام الجانب الإيراني بالهيمنة على الجانب السوري على كافة المستويات سواء اقتصادياً أو سياسياً أو عسكرياً أو ثقافياً. فمنذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، شهد نمط العلاقات السياسية بين الطرفين تغيراً استراتيجياً، فبعد أن مرت العلاقات بين الدولتين بمراحل بدأت بتوازن القوى، مروراً بمرحلة نمطية في العلاقات، ومن ثم مرحلة استقواء كل طرف بالآخر، أصبحت العلاقة تظهر هيمنة طرف على الآخر.

* في رأيكم.. ما هي أبرز الأهداف الإيرانية لنظام الملالي في سوريا؟

- أن تدخل إيران في سوريا يعتبر ضرورة استراتيجية لاستمرار الدور الإيراني في سوريا، فالسلوك السياسي الخارجي الإيراني يعتمد على نظرية الدور، فالبحث الإيراني عن دور إقليمي ودولي معترف به هو الدافع وراء إصرار صناع القرار الإيرانيين على دعم حلفائهم.

الأهداف الإيرانية في سوريا كثيرة تتمثل على جميع المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية والثقافية والدينية حيث إن دور إيران في الصراع السوري مدفوع بمصالح وأهداف استراتيجية مهمة تزايدت أهميتها منذ عام 2011 وتمثل أهمها في الحفاظ على حليفتها، والاحتفاظ بخطوط الإمداد لـ "حزب الله"، وتثبيت وجودها في المنطقة، وضمان البقاء فيها، لتنفيذ المخطط الإيراني المذهبي، وبالنظر إلى هذه المصالح فمن المرجح أن تحتفظ إيران بمشاركتها في الصراع في المستقبل المنظور.

الوجود العسكري الإيراني

* ماذا عن مظاهر الوجود العسكري الإيراني في سوريا؟ هل لنا أن نتطرق إلى الأمر؟ وكيف تقيمون ذلك؟

- تولي إيران أهمية كبيرة لوجودها العسكري في سوريا، حيث ترى في هذا الوجود أداة مهمة لتحقيق أهدافها، إذ مثّلت الأزمة السورية فرصة لتؤسس لوجود عسكري دائم في سوريا بما يخدم استراتيجيتها ويسهم في تحقيق الأهداف التي تسعى إليها على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية والدينية، ولذلك فقد تنوعت مظاهر الوجود العسكري الإيراني ما بين الوجود الرسمي بأشكاله المختلفة والميليشيات التابعة لإيران بمسمياتها المختلفة. والوجود العسكري الرسمي، يتمثل في:

* أولاً: التواجد العسكري الإيراني الرسمي في سوريا، يدور حول نوعين من التواجد وهما الخبراء العسكريين، والوحدات العسكرية النخبوية المنظمة.

فمنذ بداية الأزمة السورية في عام 2011 كان لإيران موقفها المعلن بدعم النظام السوري وتقديم الدعم اللوجستي والعسكري من خلال الحرس الثوري عبر إرسال خبراء ومستشارين وأمنين.

أما عن الشكل الثاني من التواجد العسكري الرسمي الإيراني في سوريا، وهي الوحدات العسكرية المنظمة والنخبوية، فهي تتمركز بالأساس في القواعد التابعة للنظام السوري ومن أهمها مطار دمشق الدولي، حيث تدار معظم المعارك العسكرية، إضافة إلى مطار ضمير في القلمون الشرقي، وقاعدة الشعيرات الجوية قرب حمص، ومطار التياس "T4"، وهذه الوحدات تعد جزءاً مهماً من فيلق القدس التابع لحرس الثورة الإيراني. وقد كانت المهمة الرئيسة لفيلق القدس الإشراف على العمليات العسكرية خارج حدود إيران ودعم الميليشيات الموالية لإيران بسوريا، حيث تتلقى معظم الميليشيات الموجودة في سوريا الدعم المالي والسياسي والتدريب والتسليح من فيلق القدس، ومن حليفه "حزب الله" اللبناني الذي يشارك في المعارك إلى جانب النظام السوري.

ثانياً: الميليشيات التابعة لإيران في سوريا: نقصد بهذا الوجود الميليشيات التي قامت إيران بإنشائها أو بدعمها لدعم النظام السوري وتحقيق أهداف إيران في سوريا وذلك بتجنيدها لمئات الميليشيات الشيعية للعمل لمصلحتها وتحت إدارتها، حيث قامت بتسليحها وتمويلها والزج بها في القتال إلى جانب النظام السوري، وأشرفت بشكل مباشر على عمليات التخطيط وتنفيذ المعارك على الأرض السورية، كما لعبت دوراً محورياً في القتال إلى جانب قوات الأسد وخاصة مع الفتاوى الدينية الطائفية التي أطلقتها المراجع الشيعية، مما دفع الشباب لزحف نحو سوريا وهذا ساهم في ازدياد إعداد المقاتلين الشيعة في صفوف تلك الميليشيات.

ويمكن وضع خريطة لأبرز هذه الميليشيات كما يلي:

أ- الميليشيات السورية المحلية: وهي التي أنشأتها إيران من سوريين وفق دواعٍ طائفية "الشبيحة".

ب- الميليشيات اللبنانية مثال: "حزب الله اللبناني"، و"ميليشيا سرايا التوحيد".

ج- الميليشيات العراقية مثال: "لواء أبوالفضل العباس"، و"منظمة بدر"، و"عصائب أهل الحق"، و"حركة حزب الله النجباء"، و"لواء ذو الفقار"، و"لواء الإمام المجتبى"، و"كتائب الإمام علي"، و"فيلق الوعد الصادق"، و"كتائب سيد الشهداء".

د- الميليشيات الأفغانية والميليشيات الباكستانية: الهدف الأساسي لها هو حماية الأضرحة والمزارات الشيعية المقدسة في سوريا، مثال "لواء فاطميون"، و"لواء زينبيون". ورغم تنوع هذه الميليشيات على النحو السابق إلا أنها جميعاً تتشابه في توجهاتها وولاءاتها وأيديولوجياتها سواء كانت محلية أم خارجية.

* إيران تتوسع في سوريا.. عبر تحديات وفرص.. ما رأيكم في ذلك؟

- على الرغم من وجود عدد من التحديات لتوسع هذا الدور تمثلت في الرفض الداخلي والإقليمي والدولي لذلك، وتدهور الأوضاع الداخلية الإيرانية على المستوى الاقتصادي والسياسي، إلا أن عدداً من الفرص تمثلت في هيكل القوة الإيرانية في سوريا والذي عمل على تقوية التحالف السوري الإيراني، والحاجة المتبادلة بين سوريا وإيران، تدفع بالجهة الأخرى ليستمر الدور الإيراني في لعب دور محوري بسوريا، حيث إن إيران كانت وستبقى لاعباً فاعلاً في الأزمة السورية في الأمد المنظور، ولن تتنازل عن دورها المحوري بسوريا بسهولة بعد المكاسب التي حققتها على الأرض.

"داعش" وإيران والأيديولوجيات

* كيف تقيمون الانسحاب الأمريكي من سوريا؟ وهل أعطى المجال لإيران من أجل توسيع نفوذها؟

- أثر الإعلان الأمريكي الأخير بسحب القوات الأمريكية من شرق سوريا على الأطراف الفاعلة بالصراع والوضع الميداني بسوريا، وعلى الرغم من كونه قراراً مفاجئاً، إلا أنه يمكن تقديم عدة تفسيرات لهذا القرار، وأياً كانت أسباب القرار فإن تداعياته ومن أهمها احتمال إعادة صعود تنظيم الدولة "داعش"، أو ترك الساحة للنفوذ الإيراني والسوري لتنفيذ خططهم الأيديولوجية بالمنطقة، هي الأهم الآن والتي يجب على كافة أطراف الصراع الاستعداد لهذه التداعيات.

* في رأيكم.. ما هو الموقف الإسرائيلي من الوجود الإيراني بسوريا؟

- يثير الوجود الإيراني في سوريا قلق إسرائيل، ومن الواضح أن إسرائيل ترفض الوجود العسكري الإيراني في سوريا بأشكاله المختلفة، وتتوجس من استمرار تدفق المقاتلين من أفغانستان ولبنان والعراق وإيران والدعم العسكري المقدم من الحرس الثوري وتعتبره تهديداً لأمنها، ولهذا تقوم إسرائيل من حين لآخر بتوجيه ضربات جوية انتقائية من حين لآخر للقواعد الإيرانية بسوريا.

"تحالف الشرعية"

* وماذا عن الموقف العربي مما يحدث في سوريا؟

- رغم أن العلاقات التاريخية بين البلدان العربية وبين إيران مرت بمراحل متعددة قبل وبعد الثورة الإسلامية عام 1979، إلا أن لدى إيران عموماً ثلاثة حلفاء رئيسيِّين في العالم العربي، هُم العراق وسوريا ولبنان فيما إن أكثر علاقاتها توتراً في المنطقة مع دول الخليج العربي. وقد اتسمت العلاقات السياسية بين الجانبين الإيراني والخليجي بالتذبذب نتيجة القضايا الخلافية بين الطرفين التي اتخذت طابع التهديد خاصة من طرف إيران التي تجاهلت السيادة الخليجية، نظراً لاعتقادها بأنها الطرف الأقوى في هذه المنطقة، ما أدى إلى تدخلها المستمر في الشؤون الداخلية لدول المنطقة.

مما يجعل الدول العربية عامة والخليجية خاصة ترفض الهيمنة الإيرانية على المنطقة وتعارض بشدة التوسع الإيراني في سوريا، ولذا فإن الدول الخليجية والعربية كونت تحالفاً لدعم الشرعية في اليمن، ولمواجهة محاولات فرض الهيمنة الإيرانية على اليمن "من خلال دعمها للحوثيين"، كما بدأت بعض الدول "كالإمارات والبحرين" في إعادة فتح سفاراتها في سوريا لتفعيل الدور العربي في الأزمة السورية وصد النفوذ الإيراني فيها.

الدور التركي والروسي

* هناك لاعبون أساسيون من المهم التطرق إلى دورهم مثل تركيا وروسيا.. كيف تقيمون تلك المواقف؟

- الموقف التركي: تعد تركيا طرفاً مهماً في القضية السورية وخاصة منذ التدخل التركي العسكري المباشر في سوريا مع عملية "درع الفرات" في أغسطس 2016 وعملية "غصن الزيتون" في 20 يناير 2018، حيث تهدف أنقرة أساساً إلى منع تحقق المشروع السياسي "الدولتي" لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني PYD الامتداد السوري لـ"حزب العمال الكردستاني"، حتى وإن كثر الحديث حول الحفاظ على وحدة الأراضي السورية. وفي ظل العداء التاريخي والتنافس الإقليمي الذي يحكم العلاقات بين تركيا وإيران، فإن موقف أنقرة يعد تحدياً أمام التوسع الإيراني في سوريا، وخاصة أن تركيا تملك أوراق قوة من بينها الحدود المشتركة والتواجد العسكري المباشر على الأراضي السورية والعلاقات الجيدة مع قطاع كبير من المعارضة السورية السياسية والعسكرية.

أما الموقف الروسي يعد مزدوج التأثير ويمكن أن يكون تحدياً وفرصة في نفس الوقت، وخاصة أن التحرك المشترك بين إيران وروسيا حيال الأزمة السورية اعتمد على سياسة "ترتيب الأولويات" القائمة على تأجيل الخلافات البينية واحتوائها في سبيل تحقيق هدف مشترك.

وهناك عوامل تدفع روسيا بعدم السماح بتوسع إيراني في سوريا، وتحجيم قوة إيران في سوريا من أهمها:

أ- الخلاف الجيو سياسي - الجيو اقتصادي: تسعى روسيا إلى التحكم في أكبر قدر ممكن من توريدات الطاقة للاتحاد الأوروبي، للإبقاء على ورقة ضغط ضده. بينما توفر إيران -صاحب ثاني أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم- بديلاً استراتيجياً للاتحاد الأوروبي، ما يدفع روسيا للنظر في آليات تحجيم دور إيران، وإدارة عمليات تصدير الطاقة الإيرانية لأوروبا قدر الإمكان. فضلاً عن تنافسهما على تحقيق سيطرة جيوسياسية أكبر على الموانئ ومصادر الطاقة الطبيعية والمواد الخام والقواعد العسكرية.

ب - انتهاء مهمة الميليشيات الشيعية التي باتت تُشكل عبئاً على روسيا التي ترى فيها خطراً على مشروع التسوية القائم على التفاوض وضرورة احتواء جميع الأطراف السورية، بما فيها المعارضة السورية المُسلحة، لإيجاد حل طويل الأمد على العكس من الرؤية الإيرانية "المذهبية" أو "الإقصائية" التي يبدو أنها تؤيد سياسية الأرض المحروقة ضد جميع هذه الفصائل.

ج- التوقيت وتغيّر وجه المعادلة الدولية التي مالت لصالح إيران، بعد الاتفاق النووي عام 2015، والذي فتح أمامها أبواب الانفتاح الاقتصادي والتمدد الجغرافي، إلا أنها انقلبت اليوم ضدها بعد تغيّر الإدارة الأمريكية. وهذا ما دفع روسيا لاستغلال هذه الظروف في تحجيم القوة الإيرانية التي قد تعيق عملية تنفيذ قراراتها في سوريا مستقبلاً، ولفتح الأبواب أمام اعتمادها "كقائد" لعملية إعادة الإعمار، ولموازنة تحركاتها في سوريا على نحوٍ يكفل لها، نسبياً، مصالحها في شرق أوكرانيا وفي محيط البحر الأسود، ويضمن لها كسب الدعم الإسرائيلي في إقناع الإدارة الأمريكية برفع العقوبات المفروضة عليها، وأخيراً لكسب الأموال الخليجية، والدولية عبر البنك الدولي أو صندوق النقد "الموجهة أمريكياً، في عملية إعادة الإعمار.

د- الخلاف حول شخص الأسد، حيث تُظهر روسيا ليونةً حول الاستعداد للحد من صلاحياته أو عزله على المدى البعيد، فيما تتمسك إيران به وبصلاحياته كهدفٍ استراتيجي يخدم مصالحها.