حملت الزيارة الأخيرة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى إيران، وظهوره جالساً بين المرشد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي، وقائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، في مجلس بذكرى عاشوراء في إيران، الكثير من الدلالات، حول ما سيشهده العراق في قادم الأيام.

وتحمل مواقف الصدر الكثير من التناقض وإثارة الجدل، وليس أدل على ذلك، من تفسير بعض المحللين والمراقبين تلك الزيارة على أنها محاولة للاصطفاف إلى جانب معسكر إيران، في محاولة منه للضغط على الحكومة العراقية برئاسة عادل عبدالمهدي، المغضوب عليه من إيران.

وفي الانتخابات التشريعية الأخيرة، تحالف الصدر مع 6 كتل، بينها الحزب الشيوعي العراقي، وحزب «الاستقامة»، الذي يضم تكنوقراط مدعومين من الصدر، تحت اسم مع «سائرون نحو الإصلاح»، قبل أن يفوز بها.

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة، لماذا سارع الصدر إلى الاحتماء بإيران؟ لاسيما وأن الأخيرة لم تدعمه في الانتخابات الأخيرة، خاصة وأن تصريحات المسؤولين الإيرانيين كانت واضحة وهي أن «طهران لن تسمح لليبراليين والشيوعيين بالحكم في العراق»، وفقاً لما أعلنه علي أكبر ولايتي كبير مستشاري المرشد الإيراني علي خامنئي، وكانت تلك إشارة واضحة إلى وقوف طهران ضد وصول تحالف الصدر مع الحزب الشيوعي العراقي، إلى سدة الحكم في البلاد.

وإذا كانت إيران قد أخطأت التقدير حينما شجعت على تشكيل «التحالف الشيعي» بقيادة زعيم منظمة «بدر»، هادي العامري، حيث تعد تلك الميليشيا أكبر الفصائل المنضوية تحت ميليشيات «الحشد الشعبي»، للإطاحة برئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، الأمر الذي أفسح المجال للصدر وتحالفه بالفوز في الانتخابات ومن ثم ذهب المنصب عبر «ائتلاف حكومي» إلى عادل عبدالمهدي غير المرحب به في طهران، لذلك تحاول طهران تصحيح خطأها باستقطاب الصدر من أجل إحداث تفاهمات بين الأخير وسليماني ولا يمكن أن تخلو تلك المباحثات من تحديد مصير عادل عبدالمهدي خلال المرحلة المقبلة، وربما استدعاء وجه جديد يحمل عقيدة «الحشد الشعبي» ومن ثم إيران، في سبيل حصول الصدر على مكاسب سياسية في المنظومة الحاكمة.

ولا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل السنوات الأربع التي قضاها الصدر في إيران، قبل أن يعود إلى مقره في النجف الأشرف، جنوب بغداد في مايو 2017، حيث كان يكمل خلالها دراسته الفقهية في الحوزة العلمية، بحسب ما صرح أحد مؤيديه في ذلك الوقت.

وقبل تلك الفترة، وتحديداً في عام 2008، ذكرت تقارير إخبارية أن «الزعيم الشيعي العراقي موجود في قم الإيرانية لمتابعة دروس في الحوزة العلمية، حيث كان متوارياً عن الأنظار»، بحسب تصريحات أحد مؤيديه.

والصدر الذي يكتسب شعبية في مدينة الصدر العراقية وورثها عن والده المرجع محمد محمد صادق الصدر، والذي كان من أكبر معارضي نظام صدام حسين، أسس جيش المهدي في عام 2003، حيث ضم عشرات الآلاف من الشبان الشيعة، وخاض قتالاً ضارياً ضد القوات الأمريكية في العراق في عام 2004، وفي النجف تحديداً، عاد وأمر بعد 5 سنوات، وتحديداً في أغسطس 2008، بحل جيش المهدي، حيث اعتبرته واشنطن خلال تلك الفترة من أكبر التهديدات التي تعيق الاستقرار في العراق، وفقاً لما كشفته وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير لها، حيث نوهت إلى أن «الأمريكيين لا يثقون كثيراً في الصدر ويرفضون تولي أنصاره أو مؤيديه أية حقيبة أمنية في العراق».

ومن المواقف التي تكشف تناقضاً جلياً في سياسات الصدر، معارضته الشديدة لرئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، حيث كثيراً ما صب جام غضبه عليه، وفتح النار عليه في الكثير من تصريحاته إلى حد وصفه بـ «الكذاب»، إلا أنه استجابة لفتوى من مرجعه المقيم في إيران كاظم الحائري، غير الصدر مواقفه من المالكي وأبدى تأييداً للأخير.

لذلك يبدو أن النفوذ الأمريكي في العراق يتراجع لحساب إيران، ليس هذا فحسب، بل إن الصراع الشيعي الشيعي يبلغ مداه، فيما تبدو كفة أنصار إيران في العراق هي الأرجح، لذلك لم يذهب الصدر، المثير للجدل، والبراغماتي، إلى عقر دار «ولاية الفقيه»، ويجلس بين خامنئي وسليماني، إلا وهو يضع في اعتباره مكسباً سياسياً، ضارباً عرض الحائط بمدنية الدولة و«الحزب الشيوعي العراقي»!

* وقفة:

استدارة الصدر واصطفافه إلى معسكر «ولاية الفقيه» بزيارته المثيرة للجدل إلى إيران وظهوره جالساً بين خامنئي وسليماني تنذر بأفول نجم رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي واستعداد العراق لاستدعاء وجه جديد يعتنق أيديولوجيا «الحشد الشعبي» وإيران!!