آلاف الناس الذين خرجوا إلى الشوارع عشية فوز البحرين بكأس الخليج فرحين مبتهجين معربين عن مشاعر عارمة بالفرح والفخر للدرجة التي عجزوا فيها عن التعبير عنها بالكلمات، هم ليسوا بالضرورة من محبي الكرة أو متابعيها وقد يكون كثير منهم لا يفقهون في ألف باء تاء الرياضة حتى.

ولكنهم بالضرورة عاشقون لثرى هذه الأرض، مفتخرون بكل منجز يرتبط باسمها، مباهون بها الأمم مقدرون كل جهد وكل عمل وكل فوز يرفع راية هذا البلد العزيز في أي محفل أو بلد.

ليست الكرة هي من أخرجت كل تلك الآلاف المؤلفة من بيوتها، وإنما البحرين.. والمنجز الذي تحقق للبحرين، والحلم الغالي الذي ظلت البحرين تنتظره قرابة النصف قرن من الزمان!

التظاهرة التي شهدتها البحرين عشية فوزها بالكأس الخليجي عبرت عن المواطنة في أبهى صورها وأشكالها وتجلياتها، ليست المواطنة التي تلقنها الكتب المدرسية الجامدة بل المواطنة العفوية النابعة من أعماق القلب العاشق لوطنه وقيادته حتى النخاع.

لمست ذلك وأنا أتجول في شوارع البحرين وأسمع المواطنين الفرحين يباركون لقادة البلاد بهذا الفوز الكبير سواء عبر المقابلات التلفزيونية أو المكالمات الإذاعية أو حتى من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.

ولعمري إن هذه البطولة الغالية والكأس الغالي لم يتحققا من فراغ بل هما نتاج جهود إدارية وفنية مضنية بذلها أبطال عملوا بجد خلف الكواليس وواصلوا الليل بالنهار، ومن أمامهم وعلى رأسهم شيخ «الذهب» سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة الذي وضع أهدافاً واضحة ويسير نحو تحقيقها بخطى ثابتة وعزم مستمدين من الداعم الأول لكل منجز بحريني حضرة صاحب الجلالة الملك المفدى.

توج هذه الجهود فريق من الرجال على أرض الملعب من خلال لعب احترافي متقن، أفضى إلى فوز تاريخي مستحق سجل اسم البحرين بأحرف من ذهب في تاريخ البطولة الخليجية وأفسح المجال واسعاً أمامها للمنافسة في بطولات رياضية قادمة.

الازدحام، التعب، الساعات الطويلة التي تحملها المئات من أجل حجز مقعد على طائرة تقلهم إلى مقر إقامة البطولة.. والساعات الطويلة التي قضاها الجمهور المتعب في مطار العودة.. كان من أجل البحرين..

الشعب.. كل الشعب الذي خرج عن بكرة أبيه مشجعاً، داعماً، ومبتهلاً، ثم مهلهلاً، محتفلاً، ومفتخراً..

كثير من المشاهد العفوية التي تزامنت مع هذا الحدث الكبير ومن ضمنها مشهد ذلك الرجل الستيني الذي أخذ يوزع قناني المياه على طوابير المشجعين المنتظرين الحصول على تذكرة.. كلها وكثير سواها ما هي سوى انعكاس لما جبل عليه هذا الشعب الطيب الذي يفرحه ما يفرح وطنه ويحزنه ما يحزنه.

* سانحة:

شكراً للأبطال الذين صنعوا البهجة في كل بيت بحريني..

شكراً لكل قائد أسهم في تحقيق هذا المنجز الوطني التاريخي بعد قرابة النصف قرن من الانتظار.