لم يعد النظام الإيراني ذلك النظام القوي المسيطر على بلاده والمتحكم في الشعب كما كان في السابق، فأغلب المناطق تنتفض الآن في إيران ضد هذا النظام ومنذ عامين تقريباً، وهذه دلالة على أن الشعب لم يعد يرهبه نظام الملالي في طهران، بل لم يعد تفرق معه أن يدفع حتى حياته ثمناً في سبيل الحرية والعيش بكرامة.

ولم يكد يمضي يوم إلا ونجد أن الشعب الإيراني يخرج في مسيرات تهتف ضد نظامه، وتدعو لإسقاطه، خاصة بعد مقتل قاسم سليماني، فالنظام الإيراني يحاول أن يصور أن الشعب في حداد بعد مقتل هذا الرجل الذي يصوره الإعلام الإيراني وإعلام الممانعة بالبطل والشهيد، ولكن الشعب الإيراني في الداخل كان له موقف آخر، حيث مزق صور سليماني في مختلف أنحاء طهران ومدن أخرى مثل كرمان وزنجان وإيرانشهر وفسا وشوشتر ولاهيجان وتبريز وزاهدان ومسجد سليمان، لدرجة أن المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي قال عن هؤلاء الغاضبين في خطبة الجمعة الماضي «إنهم ليسو إيرانيين»، كما نقل ذلك مجلس المقاومة الإيرانية.

وجاء قصف الطائرة الأوكرانية وإسقاطها من قبل النظام الإيراني الذي تسبب في مقتل جميع ركابها البالغ عددهم 176، ليلقي مزيداً من الضغط على النظام، ليس على المستوى الدولي بل على المستوى المحلي أيضاً، حيث استغل الشعب هذا الفعل الغبي للنظام الإيراني، وخرج في مظاهرات حاشدة، خاصة بعد اعتراف النظام بتسببه بهذا الفعل، حيث طالب العديد من المواطنين الإيرانيين بمحاكمة المسؤولين عن إسقاط الطائرة ومن تستر عليهم، خلال حفل تأبين ضحاياها خاصة بعد نفي النظام مسؤوليته في بداية الأمر، وادعائه أن الطائرة سقطت بسبب «خلل فني»، مما يدل على أن الشعب الإيراني لم يعد يرهبه النظام ولا الحرس الثوري الذي يسعى للتعامل بعنف وقسوة مع أي مظاهرة من هذا النوع، كما هي عادة النظام في كبت الحريات وسلب الحقوق لشعبه.

ولعل ما يدعو الشعب الإيراني إلى استمراره في الثورة ضد نظامه، هو أن ليس لديه ما يخسره أكثر، فالبطالة منتشرة، ورواتب الكثير من أبناء الشعب الكادح لم يدفعها النظام لشهور، ويعيشون في فقر مدقع، فما الذي سيخوفه أكثر من مصير مجهول سببه نظام الحكم الظالم في بلاده؟ ومن الأسباب أيضاً وجود معارضة قوية في الخارج بقيادة منظمة «مجاهدي خلق» التي تنشط بشكل كبير في أوروبا والولايات المتحدة، ولها أنشطة شبه يوميه، هدفها إيصال صوت الشعب الإيراني الثائر ومعاناته إلى الخارج، وهذا في حد ذاته يعد مكسباً للشعب، الذي ربح وقوف العالم معه وتعاطفه مع معاناته، وفي نفس الوقت يضعف موقف النظام الإيراني أمام العالم.

وحادثة الطائرة الأوكرانية جاءت موضع استغلال من قبل المعارضة الإيرانية في الخارج ومن الشعب في الداخل، للتأكيد بأن هذا النظام ليس موضع ثقة ولا يستحقها من قبل الذين لايزالون يميلون معه، مثل الاتحاد الأوروبي الذي أصبح موقفه مختلفاً من النظام بعد إسقاطه الطائرة واعترافه بذلك بعدما كان ينفي لعدة أيام تسببه في هذه الجريمة، وهذا مكسب جديد للشعب والعكس بالنسبة للنظام الذي بفقدانه لثقة المجتمع الدولي وتحديداً لبعض حلفائه الأوروبيين تجعل هيبته على المحك، خاصة بعد فقدها داخلياً من الشعب المنتفض يومياً ضده.