لطالما تناولنا مشاكل السكن الجماعي للعمال الأجانب في مقالات سابقة، حيث يؤجر صاحب العقار «المسكن» على شخص ما وغالباً ما يكون أسيوياً، ويقوم هذا الشخص باستثمار هذا العقار عن طريق تأجيره بالباطن. فيضع في الغرفة الواحدة العديد من الأسرة ولكي تتسع الغرفة لعدد أكبر من الأسرة يستخدم الأسرة ذات الطوابق، فيقوم بتأجير السرير على شخص أو شخصين فيتناوبان في النوم على هذا السرير فأحدهم ينام ليلاً، والآخر ينام نهاراً، أما باقي المرافق، كالمطبخ والحمامات وغيرها فهي مشتركة. بمعنى آخر لا أحد مسؤول عن سلامة أو نظافة هذه المرافق، فإن تعطل مروحة، أو فرن غاز أو غير ذلك فلن تجد شخصاً مسؤولاً عن إصلاح هذه الأشياء.

والأدهى والأمر أن باب هذا السكن الجماعي يظل مفتوحاً ليلاً نهاراً، فلا أحد من السكان يعرف شيئاً عن باقي المستأجرين، فيصبح المكان مرتعاً للجرائم والمخالفات، مثل تجار المخدرات، أو غيرهم.

وكم تعالت الأصوات للتحذير من المخاطر الموجودة في هذه المساكن فهي لا تلتزم بقواعد السلامة، وبالتالي هي عرضة للحوادث، وكلنا نذكر الحرائق التي وقعت في مثل هذه المساكن، ولعل آخرها كان قبل عدة أشهر، وكلنا نذكر حجم الضرر الذي وقع نتيجة هذا الحريق لتكدس السكان في هذا المبنى وانعدام قواعد السلامة، وكم عالجنا هذه المشكلة في عدة مقالات سابقة، وطالبنا بالنظر في مقترحات العديد من النواب بوضع قوانين وتشريعات تنظم تأجير السكن الجماعي، أو ربما تمنعه.

وتظل هذه المساكن كقنابل موقوتة، حيث يتوقع وقوع حوادث جسيمة في أي وقت، واليوم وفي عصر «كورونا» تصبح هذه المساكن من أخطر الأماكن، حيث تكتظ بالعمال الذين يسكنون ويتعايشون في مكان ضيق، فيسهل انتقال العدوى بينهم، والأدهى والأمر أن سكان هذه المساكن لا يراعون قواعد النظافة الأساسية، فالحمامات الجماعية، تكون قذرة، فلا أحد يتولى تنظيفها، كما أن مستخدميها لا يراعون قواعد النظافة، وكذلك حال المطبخ المشترك فحدث ولا حرج، فهو يشتكي من الحال نفسه. فهذه المساكن تشكل بيئة جيدة لنقل العدوى والأمراض، والأدهى والأمر أن هؤلاء يجلسون متقاربين في هذا المكان الضيق فتسهل العدوى. لعمري إن السكن الجماعي مرتع للفيروسات والبكتيريا والأمراض.

وفي عصر «كورونا» نجد أن من أهم التدابير لتخفيف انتشار هذا المرض هو التباعد الاجتماعي، فكيف تستطيع هذه الفئة أن تتباعد؟!!! وإلى أين تذهب؟!!! وأين ستكون؟!!! وكيف تتعايش؟!!! لست أدري !!! والسؤال الذي يفرض نفسه، لو أصيب أحدهم بفيروس «كورونا»، ونُقل للمستشفى، فمن الإجراء المعمول به حجر المخالطين للمرضى في المنزل «الحجر المنزلي» فأين سيتم حجرهم وهم لا منزل لهم ولا غرفة خاصة لهم؟!!! نعم إن هذه المساكن قنبلة موقوته يكمن في داخلها أعلى درجات المخاطر.

ومما يزيد المشكلة تعقيداً أن هؤلاء السكان «سكان السكن الجماعي» يختلطون بالناس من مواطنين ومقيمين بشكل كبير فيدخلون بيوتهم، ويقدمون لهم الخدمات، هؤلاء السكان، تجد من بينهم عمال الصيانة الذين يدخلون البيوت لتصليح الأجهزة الكهربائية، أو المجاري، أو أعمال النجارة أو غير ذلك، ومن هؤلاء السكان من يقومون بتوصيل الطلبات سواء طلبات المطاعم أو البرادات أو غيرها، ومنهم العمال الذين يعملون في مغاسل الملابس وكيها، ومنهم من يعملون في غسل السيارات، وغيرها من الأعمال التي تستدعي الاختلاط بالمواطنين والمقيمين، ومن المتوقع أن يكون من بينهم مصابين بالفيروس أو حاملين له «فترة الحضانة»، وهذا يشكل خطراً كبيراً على المواطنين والمقيمين وكل من يحتك بهم.

ومما لاشك فيه أن الفريق الوطني للتصدي لفيروس كورونا (كوفيد 19) قد قام بالعديد من التدابير لمنع انتشار العدوى بين العمال في هذه المساكن، مثل التنسيق لتخصيص أماكن مناسبة للحجر. كما قام بجهود جبارة لتوعية العمال في المساكن الجماعية، حيث قدم مواد توعوية بلغات مختلفة سواء الهندية أو الفلبينية، أو الباكستانية وغيرها من اللغات كما خصص مختبرات متنقلة لفحص عينات عشوائية من المناطق التي يتجمع فيها العمال وهي تدابير إيجابية. وعلى الرغم من هذه الجهود الجبارة إلا أنني أرى أن معالجة مشكلة انتقال عدوى فيروس «كورونا» في وسط مساكن العمال الجماعية مشكلة تتطلب وضع تدابير خاصة ورصد موازنات كبيرة، وهنا لابد من تعاون القطاع الخاص مع الجهات الحكومية لدعم هذه الإجراءات فالحاجة ماسه لتمويل توفير المساكن المناسبة للحجر، وتوفير المواد الغذائية خاصة وأن الكثير من هؤلاء ليس لديهم مصادر دخل ثابتة، وكذلك تمويل شراء الأدوية وغيرها من الاحتياجات.

وأخيراً نكرر مطلبنا السابق وهو وضع تدابير حاسمة لعلاج مشكلة المساكن الجماعية وتنظيمها، وجعلها بيئة صحية تتوافر فيها قواعد السلامة وقواعد النظافة حفاظاً على سلامة المواطنين والمقيمين على حد سواء.. ودمتم أبناء قومي سالمين.