تناولنا في الجزء الأول من هذا المقال الجوانب الصحية والاجتماعية في تداعيات أزمة فيروس كورونا. أما في هذا الجزء الثاني فسنحاول التطرق للتداعيات المالية والاقتصادية لهذه الأزمة.

على الصعيد المالي والاقتصادي فإن تداعيات جائحة فيروس كورونا تمثل أزمة كبيرة تفوق خسائرها وتكاليفها ما عرفناه خلال الأزمة المالية عام 2008.

فتوقف النشاط الاقتصادي في مختلف القطاعات وخاصة الطيران والسياحة والفنادق والمطاعم والمقاهي وكثيراً من المتاجر والمؤسسات يمثل خسائر مالية ضخمة تقدر بمليارات الدولارات هذا إضافة إلى ما ترتب على ذلك من خسائر لملايين الوظائف التي من غير المضمون استعادة كثير منها فيما بعد انتهاء هذه الأزمة. إن توقف كل هذه الأنشطة من شأنه عدم قدرة أو تعثر هذه القطاعات عن الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه البنوك والمؤسسات المقرضة الأمر الذي سيمثل مشاكل مستجدة للبنوك ولهذه المؤسسات مما سيلزمها بزيادة مخصصاتها هذا إضافة إلى تأثير استمرار انخفاض أسعار الفائدة والتي قد تطول لفترة ليست بالقصيرة مما سيضيف عاملاً آخر يزيد من الضغوط على أرباح البنوك التي ستكون بدون شك منخفضة كثيراً عن المستوى المعتاد الأمر الذي أخذ ينعكس في شكل انخفاض ملحوظ في أسعار أسهمها في الأسواق المالية .

تجاه هذه التداعيات المالية والاقتصادية بادرت كثير من الحكومات إلى توفير عدة أنواع من الحزم التحفيزية للمساعدة في التخفيف من وطأة هذه التداعيات كما بادرت البنوك المركزية إلى اتخاذ إجراءات غير مسبوقة إلا أن السياسة النقدية قد لا يكون بوسعها أكثر من ذلك حيث يبقى الاعتماد على السياسة المالية ممثلة في زيادة الإنفاق العام واللجوء إلى مزيد من الاقتراض. وقد رأينا كيف أن بعض الدول مثل المجموعة الأوروبية قد اضطرت إلى السماح بتجاوز حدود الاقتراض وحدود عجز الموازنة والتي كانت تشدد على الالتزام بها قبل وقوع هذه الأزمة.

ومن المحتمل أن يترتب على هذه الإجراءات وهذه الأوضاع زيادة في تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية ولا نستبعد كذلك لجوء بعض الحكومات إلى تملك بعض الشركات والمؤسسات التي يمكن أن تكون معرضة للإفلاس أو التعثر في تسديد التزاماتها المالية الأمر الذي من شأنه توسع في دور القطاع العام من جديد وتقليص الاعتماد على نظام واقتصاديات السوق.

على صعيد اقتصاديات دول منطقة الخليج فإن الإشكال الذي تثيره جائحة فيروس كورونا لا يقتصرعلى الجانب الصحي أو الاجتماعي فقط ولا يقتصر كذلك على المخاوف المرتبطة بالأيدي العاملة الوافدة التي يمكن أن تشكل بؤرة لزيادة تفشي الوباء في دول المنطقة ولكن المنطقة تواجه إضافة إلى ذلك تحديات أخرى مالية واقتصادية مستجدة نتجت عن تداعيات أزمة فيروس كورونا في دول المنطقة دون استثناء وإن كان بدرجات متفاوتة.

فمن جانب وكما ذكرنا اضطرت دول المنطقة على إثر هذه الأوضاع لتوفير مجموعة من الحوافز المالية للتخفيف من الخسائر التي تكبدتها كثير من قطاعاتها الاقتصادية الأمر الذي سيتطلب زيادة الإنفاق لتمويل هذه الحوافز واحتمال اللجوء إلى الاقتراض لتوفير مثل هذا التمويل. ومن جانب آخر وفي نفس الوقت انخفضت الإيرادات النفطية لدول المنطقة نتيجة لتقلص الطلب على النفط وانخفاض أسعاره بشكل كبير. وبالتالي من المتوقع بناء على هذه المعطيات ارتفاع عجز الموازنات ومستوى المديونية لدول المنطقة. وقد بدأت بعض المؤشرات المالية والاقتصادية تعكس مثل هذه التوقعات. فعلى سبيل المثال للحصر فإن أسعار السندات السيادية لبعض هذه الدول بدأت تتراجع عما كانت عليه قبل نشوب هذه الأزمة.

التخوف في الواقع هو في أن تداعيات أزمة فيروس كورونا قد لا تقف عند الفترة قصيرة المدى حيث إن بعض تداعياتها إن لم نقل معظمها سيكون ذا تأثير متوسط وبعيد المدى وهنا يكمن التحدي في القدرة على النفس الطويل في مواجهة التعامل مع أزمة فيروس كورونا وتداعياتها المختلفة من صحية واجتماعية ومالية واقتصادية والتي ستتحدد وفقاً لكفاءة إدارة هذه الأزمة.

* الرئيس السابق لصندوق النقد العربي