نعيش في شهر رمضان الكريم أياماً مباركة مشرقة بروحانيات ونفحات إيمانية وتنشر على المسلمين جواً من الصفاء والإخاء التي تحتاجها النفس البشرية، لكن أيام رمضان ستكون هذا العام خالية من أهم مميزات وخصوصيات هذا الشهر الفضيل، وهو تبادل الزيارات بين الأهل والأصدقاء والجيران، والاستمتاع بالتجمعات في ليالي رمضان الجميلة، فهو شهر تزداد فيه التجمعات والتواصل بين الناس، وهذا التواصل نقوم به تجسيداً لقيم ديننا الحنيف، لكننا هذا العام سنحرم من ممارسة التقاليد الراسخة التي اعتدناها في شهر رمضان، سنفتقد تجمعات أفراد العائلة من إخوة وأعمام وأخوال حول مائدة الإفطار، يستمتعون بالأطباق الرمضانية، ويستمتعون بلقيا الأحبة، سنفتقد تجمعات شباب الجيران في الخيام الرمضانية بالحي حيث تحيي أصوات الشباب وضحكاتهم ليالي رمضان، سنفتقد تجمعات الأصدقاء حول موائد الإفطار، وحول وجبة «الغبقة» وهي وجبة بين الفطور والسحور وهي إحدى برامج السهرات الرمضانية الجميلة حيث يتحلق الأصدقاء والأقارب حول طبق كبير متعارف عليه «الغبقة» وهو «المحمر والسمك المقلي» وهي وجبة مشهورة في رمضان، مكونة من الأرز المحمر بالسكر، ويقدم مع السمك المقلي. سنفتقد كل هذه التجمعات الجميلة التزاماً بتعليمات السلامة وأهمها التباعد الاجتماعي كأحد الإجراءات الاحترازية للحد من انتشار ذلك الفيروس الشرس «كورونا» الذي أجبرنا على الابتعاد عن الأجواء الرمضانية وزخرفها وزينتها، وسنكتفي بالبقاء في بالبيت.

آه منك أيها الفيروس الصغير، فأعيننا تعجز عن رؤيتك حتى نظن أنك وهم أو خيال، لكنك ذو أيدٍ طائلة تبطش بكل شيء في حياتنا: أرواحنا، صحتنا، اقتصادنا وحتى حياتنا الاجتماعية، حرمتنا من أهم المظاهر الاجتماعية التي كنا نسعد بها في شهر رمضان الفضيل مجبرين بسبب خطورتك لقدرتك على سرعة الانتشار وإصابة أعداد كبيرة في التجمعات، آه منك أيها الفيروس المجهري، نجحت في أن تحرمنا من إرث توارثناه أباً عن جد وهو تبادل الزيارات في رمضان وصلة الرحم.

لكننا سنتحداك، ولن نبلغك مرادك، سنظل متواصلين رغم البعد وسنظل متجمعين رغم مكوثنا في المنازل، لن تنجح في منعنا من التواصل مع الأهل والأحبة، بل سنتواصل معهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي بأنواعها.

نعم سنتحداك بوسائل التواصل الاجتماعي وبتكلفة رخيصة جداً، سنتحدث مع الأحبة، وسنتبادل التهاني في بداية هذا الشهر الفضيل كما كنا نفعل، بل وسنتجمع معاً ونتبادل الأحاديث ونتحاور من خلال كاميرات الفيديو التي تسمح بتحاور مجموعة أفراد في أماكن مختلفة يستمعون لبعض ويشاهدون بعض « Teams، وسنتبادل صورنا ونحن نعيش لحظات جميلة في منازلنا، وسنعرف أخبار بعضنا البعض. ونقول لك أبيات شعر صاغها أبي:

قالوا لنا حان الوداع

قلنا لهم فإلى لقاء

سنلتقي مهما نأت

أوطاننا صبح مساء

ستلتقي أفكارنا

وتظل دوماً في ارتقاء

سيظل يجمعنا الهدف

ويحيل عالمنا ضياء

هدف سيجمعنا معاً

دنيا وآخرة سواء

لن يفترق إلا الجسد

والروح تبقى في لقاء

وأخيراً أيها الفيروس المجهري ستهزمك وسائل التواصل الاجتماعي، ولن تعطيك فرصة لأن تفرق بين الأحبة أو تحرمنا من لقياهم. وأخيراً سنستعين بالدعاء لنهزمك فنسأل الله أن يبعد عنا أذاك أيها الفيروس لنعود إلى حياتنا وعملنا وتواصلنا.. ودمتم أبناء قومي سالمين.