بقلم: د. الشيخ عبدالله بن أحمد آل خليفة

باغت التفشّي المتسارع لجائحة فيروس "كورونا" المستجد (كوفيد-19) غالبية المجتمع الدولي على حين غرّة. وأخذنا نتابع عن كثب أخبار الفيروس، وهو ينتقل من مكان لآخر من آسيا إلى أوروبا، ثم إلى منطقتنا. ورغم أن مملكة البحرين دولة صغيرة المساحة، فإن المملكة هي سادس دولة عالمياً من حيث الكثافة السكانية، وكان هناك خشية أن ينتشر الوباء بسرعة وبلا هوادة.

إن التزام مملكة البحرين بصحة وسلامة مواطنيها،يحتل أولوية مطلقة، فعلى الفور دخلت خطة العمل حيّز التنفيذ، وبدءاً من 22 ينايرالماضي، أعلنت وزارة الصحة أنها ستتّبع تعليمات منظمة الصحة العالمية، في تطبيق الرصد الوبائي، واتخاذ التدابير الاستباقية في مطار البحرين الدولي.



وبتوجيه كريم من حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البلاد المفدى، قام صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، بالإشراف على إعداد واعتماد خطة لمساعدة جميع المواطنين والمقيمين، على قدم المساواة.

وفي خطوة مهمة لمنع الفيروس من الوصول إلى المملكة، وجّه سمو ولي العهد، وزارة الصحة، باستخدام أجهزة الفحص المبكّر في مطار المملكة، ومنافذ الدخول الأخرى، فقد تطلّب الأمر المبادرة والرؤية بعيدة المدى، حيث لم يكن هناك مؤشر واضح حول طبيعة انتشار الفيروس، أو حجم الضرر الذي يسبّبه. لذا أصبح شعار العمل عدم ترك أي شيء للصدفة. وبالفعل أقرت وزارة الصحة تدابير احترازية، وتعزيز القدرات الوطنية المطلوبة، لإجراء فحوصات واسعة النطاق.

وخلال تلك الفترة لم تشهد المملكة أيّة إصابات فيما أودت الجائحة بحياة 170 شخصاً حول العالم، وكانت 82 حالة قائمة فقط، من أصل 7818 حالة مسجلة، خارج الصين.

مع سير العمل في المرحلة الأولى - الوقاية والاستعداد - كانت الخطوة التالية، كما في أي حالة طوارئ وشيكة، هي إعداد قوة عمل متخصصة، لغرض الاستجابة السريعة والفعّالة للوضع المتطوّر.

فكان الإعلان عن تشكيل الفريق الوطني للتصدّي لفيروس "كورونا"، بمركز عمليات موحّد، كامل التجهيزات ومتعدد المستويات، وبحلول 13 فبراير كان جاهزاً ويزاول عمله.

لقد عُقدت اجتماعات مكثفة للتنسيق من أجل تعزيز مستوى التعاون والتكافل بين المؤسسات الصحية العامة والخاصة، وضمان تطبيق تعليمات وزارة الصحة.

وبدا جليّاً أن مفتاح النجاح سيكون العمل بروح الفريق، ليس بين الحكومة وقطاع الرعاية الصحية فحسب، وإنما من قبل كافة شرائح المجتمع. كان ذلك كفاحاً يتطلّب مشاركةً من الجميع.

وانعكس عمل الفريق جيّداً في وسم #فريق_البحرين، الذي قام بزيادة الوعي، وتنمية الجهود الجماعية الواقعية والعملية، والتواصل عبر المنصّات الاجتماعية، وضمان استمرار تدفّق المعلومات الصحيحة، كتدابير مؤثرة من أجل التصدي للجائحة. فقد ساهمت رسائل وسم #فريق_البحرين على تويتر وانستغرام في إنقاذ الأرواح، وساعدت الناس على تبديد المخاوف، واستيعاب الأخطار والاستجابة لها، كما أبرزت قصص النجاح العديدة التي شهدتها البحرين.

وفي هذا الصدد، يقول وزير المالية والاقتصاد الوطني، الشيخ سلمان بن خليفة آل خليفة: "إننا نفخر دوماً بنهج (فريق البحرين)، الذي يُعد اندماجاً سلساً بين المشاريع الخاصة للكيانات الحكومية، للمضيّ قُدُماً في تحقيق رؤية موجودة لأكثر من 20 عاماً في مجال تنويع الاقتصاد، والدفع بالأمور إلى الأمام".

في يوم 24 فبراير، سجّلت مملكة البحرين أولى الحالات المصابة، وكان أحد العائدين من إيران. وبذلك تحولت خطة العمل لتبنّي كلا الأمرين؛ المزيد من الوقاية، وكشف واحتواء الفيروس. كما تم تفعيل البروتوكول الطبي، والبدء في فحص الأشخاص العائدين من إيران على مدى الأيام الثلاثين السابقة.

ورافق ذلك توفير مراكز العزل والعلاج لمئات الأشخاص الذين خضعوا للفحص، وإيقاف الرحلات من وإلى إيران، وإغلاق كافة المؤسسات التعليمية، مع تأجيل كل الفعاليات العامة.

وكإجراءٍ مساند تم إطلاق الفحص المتنقل بتاريخ 29 فبراير،وأصبح الحجر الذاتي إلزامياً للقادمين من وجهاتٍ شهدت تسجيل إصابات كثيرة. وبحلول 9 مارس، كان بمقدور الجهات المعنية إجراء 3500 فحص في اليوم.

كما صدرت توجيهات ملكية سامية، بتوفير الفحص والعلاج المجاني للمصابين بكوفيد-19 من المواطنين والمقيمين على حدٍ سواء، وبتشييد ثلاثة مستشفيات ميدانية، ومضاعفة عدد الأسرّة المتوفرة في حال ازدادت الأوضاع سوءاً.

في خضمّ ذلك، كان سمو ولي العهد، حريصاً على متابعة كافة الأمور، والتفاعل مع التطورات الجارية، وأصبحت زيارات سموه لفريق العمل الوطني حدثاً أسبوعياً، ساهم في رفع المعنويات، ومراجعة الخطط وتقييم الآليات، لمواجهة الجائحة.

وساهمت حملة #كن_واعياً عبر بوابة الحكومة الإلكترونية باللغات الثلاث: العربية والإنجليزية والهندية، في تعميم نصائح منظمة الصحة العالمية، ونشر المستجدات المهمة، وعملت بالتوازي مع وسم #فريق_البحرين لضمان إيصال واستلام الرسائل.

وتم تخصيص خط ساخن للاتصالات على مدى 24 ساعة بسبع لغات، مع وجود أطباء على مدار الساعة، للإجابة عن الاستفسارات، وتقييم أعراض المتصلين عن بعد، وإذا دعت الحاجة يجري ترتيب المواصلات للمرضى إلى المرافق الصحيةالمناسبة. وهناك أيضاً تطبيق للهواتف الجوالة، لإبقاء الجمهور على اطلاع ودراية بالتطورات، ويحذرهم في حال خالطوا حالات إيجابية من المصابين.

ونجح برنامج المتطوعين في تسجيل 30 ألف طلب، بما يبرهن على تمتع شعب البحرين بقدرٍ عالٍ من الوعي والتفاعل، وإن كانت هذه الأزمة قد أكدت أمراً، فهو توحّدنا في وجه الشدائد.

وللأسف سُجّلت وفيّات محدودة متعلقة بالجائحة في المملكة، وهو أمر مؤلم يذكرنا بأن هذه الجائحة لا تفرّق بين أحد، ولا يوجد ملاذ آمن تماماً عنها. لكن الوضع مستقر في ظل تدابير احترازية محكمة، إذ بفضل المبادرة السريعة والاحترافية لسمو ولي العهد، أصبحت البحرين مثالاً في مواجهة الجائحة، واحتواء تداعياتها.

وإجمالاً، فقد أنقذت الاستجابة المرنة المبكّرة، مملكة البحرين من سيناريو مرعب شهدته دول أخرى، ونتيجةً لذلك، أصبحت المملكة يوم 19 مارس أول دولة عربية تنضم لبرنامج اختبارات التضامن التجريبية الموحدة للقاح كوفيد-19، التابع لمنظمة الصحة العالمية، والذي يعد إشادةدولية بجهود البحرين في هذا المضمار.

أما على الصعيد الاقتصادي، فقد تم تخصيص حزمة إنعاش اقتصادي بمبلغ 4.3 مليار دينار بحريني (11.4 مليار دولار أمريكي) للمواطنين والأعمال، تمثل 30% من إجمالي الناتج المحلي للبحرين،وإتخاذ إجراءات أخرى لدعم المواطنين. وهذا التزام ضخم للتخفيف من تداعيات التكلفة الاقتصادية التي تسببت فيها الجائحة.

وأخيراً، من المهم ألا ننسى أن مملكة البحرين هي صورة مصغرة جداً من المجتمع الدولي، حيث تحتضن كل الثقافات والأجناس، والمملكة قادرة على أن تقدم مساهماتملهمة في هذا الشأن، من خلال مشاركة تجربتها ودرايتها بالتعامل مع الجائحة، والمحافظة على نهج الشفافية في التصدي لها،فضلا عن فتح خطوط الاتصال لمشاركة بياناتها وخبراتها، وضمان التدفق الحر للمعلومات. والمؤكد أننا سوف نستمر في مملكة البحرين بترك الأثر في معركة إنقاذ الأرواح، ودحر جائحة كوفيد-19.