هل يؤلمك أن تكون «بو وجهين»؟ هل تجد سؤالاً كهذا استفزازياً أو تعتبره تهمة؟ انتظر يا عزيزي، كلنا بوجهين ولكن على نحو مختلف عما تبادر إلى ذهنك. فكلنا كالقمر، لا يكتمل إلا بجانبيه المتناقضين. تُرى.. أيعتبر أمر كهذا نقيصة لأحدنا؟!! لا أعتقد ذلك، فنظام الحياة الكونية برمته يقوم على التناقضات والتضادات، ونحن كبشر جزء من هذا النظام. في الجانب المشرق منا، هناك الكثير من الإبداع والطاقات والعطاء والتفرد والإمكانيات مما يثير إعجابنا بأنفسنا، ويثير غبطة أهلينا وفخرهم، وينال رضا واستحسان من حولنا، وفي جانبنا المظلم هناك عشرات العيوب والاضطرابات والمخاوف والآلام والذكريات التي تنعكس على سلوكنا مشكلة جانباً من شخصيتنا شئنا أم أبينا وهذا طبيعي.

كلنا نمر بمراحل التربية الاجتماعية من خلال البيت والمدرسة والمجتمع ككل، ولكن تلك التربية غالباً ما تسعى لتهذيب جوانب معينة من السلوك أو تعزيز جانب من الاضطرابات على نحو صادم، لاسيما في ثقافتنا الشرقية التي تقوم على الكبت والمنع والزيف مطالبة إيانا بالظهور أمام الآخرين على نحو مغاير لحقيقتنا، وبما لا يعكس وجهينا المتناقضين في كثير من الأحيان. ولكن عمليات الصقل والتلميع التي يمارسها المجتمع لشخصياتنا لا تحول دون بروز وجهي القمر منا في ظروف الحياة المختلفة، والتي تصدمنا أحياناً حتى في أنفسنا عندما نكتشف بعض الأحيان حقيقة ما نحن عليه في العمق.

* اختلاج النبض:

إن الطريق الأول للارتقاء بأنفسنا ليس كبتها أو تكييفها مع أنظمة المجتمع والقبول بأحكامه كما تفعل بنا نظم التربية، وإنما يكمن طريق الارتقاء بمواجهة أنفسنا بحقيقتها، منحها الفرصة للتعبير عن نفسها والتعرف عليها من جديد، واحتوائها بعدم الحكم عليها وتحييد مشاعرنا تجاه مخرجات تلك النفس أياً كانت، ومهما بدت تلك الاكتشافات مخيبة للآمال وفق معتقداتنا وقناعاتنا التي تبنيناها في الوعي الجمعي المحيط. وعندما نتوصل لحقيقة ما نحن عليه نحتاج أولاً القبول الجانب المظلم منا، وهو تماماً ما نحتاج لفعله مع الآخرين لنعيش الحياة على نحو فاعل ومتفاعل دون إقصاء وضمن دوائر الحياد التي تجعل العالم يسع الجميع.