تراثنا الماضي، غني بالقصص والروايات، البعض منها فيها عِبر وحِكم، والبعض الآخر فيها مآس وفواجع، والبعض الثالث يحكي عن قـصـص البطـولة والانــتــصــارات والـتـجـارة الـرابحـة والعود الحميـد مـن بعد غياب طويل.

الزمن الذي عاش فيه الأجداد ومن هم قبلهم، وسائل السفر براً بقوافل الجمال والخيول والحمير، وبحراً بواسطة السفن الخشبية الشراعية التي تسير بقوة الرياح، وهي طاقة متجددة لا تنتهي.

السفن منها الصغير، مثل الشوعي والقلص والبلم والعبرة، تستعمل هذه السفن للتنقل بين الجزر المتقاربة أو في مجرى الأنهار وفروعها وقنواتها، بعضها يستعمل الشراع، والبعض الآخر خاص بالمياه الضحلة، يستعمل بحارتها التفريس بواسطة خشبة مستطيلة نوعاً ما، سمكها بقدر قبضة اليد، نسميها نحن أهل البحرين والخليج «الخطرة»، أو أحياناً المجاديف.



أما للغوص والتجارة الخارجية فيما بين دول الخليج، فنستعمل السفن الأكبر قليلاً، مثل البوم والجالبوت و «السمبوك».

أما للقطاعة – أي الأسفار البعيدة –، فتأتي السفن الكبيرة مثل البقارة والبتيل والبوم الكبير، التي تستعمل للإبحار في بحر العرب والمحيط الهندي والسواحل الشرقية لإفريقيا، والسواحل الجنوبية للجزيرة العربية.

والنوعان الآخران، يتم استعمالهما أيضاً للحروب، وتركب على جوانبهما من اليمين والشمال المدافع لرمي سفن الأعداء، ومن أشهر تلك السفن في الأسطول الحربي البحريني، السفينة البتيل المسماة الطويلة، التي لها صولات وجولات في معارك وملاحم كثيرة، إلا انها اندثرت، ولم يحتفظ بها الأجداد والآباء، وبقيت ذكراها في متون التاريخ.

مصطلح «الغِبة» المستعمل لدى شعوب الخليج العربي، يطلق على الأماكن البحرية العميقة، وأشهر غِبة، غِبة سلامة.

وبحسب ما قيل من الرواة الأوائل، إنها عند ملتقى البحر العربي بالخليج العربي، عند مضيق هرمز، عند التقاء البحرين.

وفي موسم الأعاصير والأمطار الغزيرة، والتيارات البحرية الشديدة، تكمن هنا خطورة هذا الممر على السفن الخشبية التي تسير بالأشرعة، إذا صادفت تلك الأعاصير والأمطار الغزيرة، والتيارات البحرية الشديدة، سفناً تريد دخول الخليج العربي أو الخروج إلى بحر العرب، عند فم مضيق هرمز في ليلة ظلماء، فيرتطم بعضها ببعض، أو تحملها الريح إلى أحد جانبي ذلك المضيق الصخري، فتتحطم، وتطفو بعض أجزاء منها على سطح البحر، وتشكل طوق نجاة للنواخذة والبحارة الذين كتب الله لهم النجاة، أما من لم يحالفه الحظ بقطعة خشبية طافية وهو يقاوم الريح والموج، فمصيره الغرق، كما غرقت الأجزاء الكبيرة من جسم السفينة بما فيها من حمولة ثمينة واستقرت في قاع غِبة سلامة، لذلك يمثل خروج السفن من الخليج العربي أو الدخول إليه هاجس خوف ورعب عند أمهر النواخذة والربابنة والبحارة، وإذا عبروه هنأ كل منهم رفاقه بالسلامة، وحمدوا الله تعالى، وأحياناً تأتي تلك الأعاصير والرياح الشديدة والأمواج العاتية في غير موسمها، فتزيد الكارثة والخسارة، كما حدث في عام 1925، وهي سنة الطبعة «غرق سفن الغوص» في عز الصيف، إذ فقدت البحرين كثيرا من فلذات أكبادها، رحمهم الله تعالى رحمة واسعة.