الأفلام الوثائقية التي تستهوي كثيرا من الناس ويبحثون عنها باستمرار في مجالات شتى «علمية وطبيعية واجتماعية وسياسية وتاريخية»، لم تعد مقتصرة على قنواتها الرسمية المعروفة، بل أصبحت متاحة للجميع عبر قنوات متعددة المشارب على «اليوتيوب» وغيره. تلك ليست بمسألة جديدة، والوقوف عليها من ناحية الوفرة ليس بقضية تستحق الذكر أصلاً.

ولكن الحديث حول المحتوى هو ما يهمنا اليوم، ولاسيما تلك القنوات التي باتت تضرب حابل الأمور بنابلها في خلاط واحد، مستندةً على الغيبيات والنبوءات من المصادر الدينية المختلفة. وأتساءل: هل ما تقدمه الوثائقيات موثق بالفعل ومسنود بما يكفي من وثائق ومراجع موثوقة؟ ما حيّز التحليل الذي تتخذه تلك الوثائقيات في برامجها قياساً بالمعلومة الأصلية؟ وهل تتحرى الدقة بما يكفي أم باتت تهرف بما لا تعرف مستمتعةً بالوضع والتلفيق ورسم السيناريوهات الوهمية؟

أحياناً نعول على بعض المراجع التاريخية، ولكن مشكلة التأريخ الكتابة في ظروف حراسة بوابة المصالح والمهيمنين عليها كـ«حراسة البوابة الإعلامية» تماماً، ولو أردنا للإعلام أن يكون مرجعاً موثوقاً للأحداث المعاصرة لكان الأمر أدهى وأمرّ، فنحن أمام إعلام دولي مصنوع، يخفي كثيرا من الحقائق ويروج للترهات. صحيح أن مصدر تلك المعلومات والوثائقيات يحدد الكثير، ولكن ذلك يحدده توجهك الذي هو بمثابة اختيارك للإطار الذي ترى منه جزءا من الصورة ولا ترى الصورة كاملة.

من يقدم تلك الوثائقيات؟ وكيف تتم الحبكة والرواية؟! وإلى أي مدى يمكن القول بموضوعية الطرح بالتعاطي مع المعلومة قبل تقييم التيار أو الجهة التي أنتجتها؟ وما بين الزخم الكبير في الأفكار المتضاربة والمعلومات المتناقضة والتحليلات المتشابكة كلٍ من زاويته، أين تكمن الحقيقة؟

* اختلاج النبض:

رغم الجدل حول قنوات الوثائقيات الرسمية وبرامجها، ثمة قنوات على اليوتيوب اليوم باتت تضطلع بتلك المهمة، بل تمارس قراءة الطالع وفك فأل الدول بقراءة الأحداث المستقبلية مدعيةً الاستشراف حيناً وإسقاط الأحداث على النبوءات حيناً أخرى، ويبدو لي أن لا هذا ولا ذاك أصل الحكاية، وإنما ثمة مخطط يدار في الخفاء، وثمة أفواه استؤجرت للإعلان عن تلك المخططات عبر أبواب يوتيوبية مواربة، تقدم أنصاف الحقائق، وتخفي شياطينها في التفاصيل.