هنالك حاجة ماسة إلى مراجعة لغة ومنهجية خطاباتنا بتجاوز المنطق الإنشائي، والشعاراتي الذي تطغى فيه اللغة على المضمون، والذهاب بدلاً من ذلك، إلى منطق الحجة والتحليل المنطقي للقضايا والموضوعات المرتبطة بحياتنا وحياة العالم، أو عندما نقارب ما تحققه الدّولة -على سبيل المثال- من منجزات وما تواجهه من تحديات وصعوبات، فنحتاج إلى تنزيله ضمن حركة البناء المزدوج للحداثة والحرية. لأنّ بناء الديمقراطية، وتعزيز الحرية عمل يستلزم كامل عناصر الصرح الذي تقوم عليه الدولة. ومن هذا المنطلق لا بد أن يتبع هذا الخطاب طريقاً عقلانياً تحليلاً لا خطابياً، حتى عند تفكيك الخطابات المعادية.

فعند المنظر إلى ما يحدث من تطوّر اقتصادي واجتماعي وسياسي، ضمن نسق البناء المتلازم للحداثة والحرية، يتوجب الوعي بأن هذا البناء هو برنامج سياسي متكامل. فقد بنت الحضارة الغربية تجربتها للحرية على أساس ربطها بالتاريخ، وبالفعل اليومي، وتجاوزاً لمنظور هيمنة الكنيسة. لذلك كانت الحرية تعني عندهم، التحرّر الذي يقتضي السّيطرة على الضرورات التي تجعل الإنسان يمارس الحرية، ويقف في وجه الهمجية والتوحش والجهل والفقر والتخلف والخرافة والتعصب، وعدم الاكتفاء بالموقف الدّاعي إلى قصر الحداثة على الجانب المادي المظهري، والذهاب إلى حداثة العقول. والدليل على ذلك أن فشل مشاريع الحداثة في العديد من البلدان العربيّة يرجع إلى عدم قدرة نخبها السياسية والفكرية، على استيعاب التحديث الضروري للعقول وتنويرها، وعدم قدرتها على الاعتراف بأهم مقتضياتها السياسية، وهي الديمقراطية. ولذلك كان من الطبيعي أن يحدث انفصام بين الفكر والممارسة، وأن تنتصر الأصوليّة المتطرفة والحرفية السطحية في حياتنا، في أغلب الأحيان. كما أن فشل مشاريع الحداثة العربيّة، يرجع في بعض جوانبه، إلى عدم إدراك أنّ الغاية الحقيقية من أي نهوض، تتمثل في تعديل الحداثة بالحرّية، وتعديل الحرّية بالحداثة، وفي اغتناء الحداثة بالإنسانيّة، إذ لا يمكن بناء الحرّية ضمن سياق من الخصاصة والفقر وانتشار المرض والجهل وانعدام الكرامة وغياب التنوير. كما لا يمكن إرساء الحداثة من دون إطلاق للإرادة، بما يعطيها دورها في صناعة التاريخ، وهذا مدخل رئيس لتطوير ومراجعة الخطاب السياسي-الإعلامي.

* همس:

عند كثبان الرمل العتيقة،

تهبط ُ الروح،

مثقلة بالحزن.

وفي غسقِ اللا-معنى

يتداعى الحمام،

لحظة الغروبِ

يتوسدن شفق الرحيل

تَعَانقاً،

والصمت جلال لا ينتهي.