أتساءل: «هل وصلنا إلى مستوى لم نعد قادرين على تمييز أي جنس من الخلق نحن؟»، يجيبني بعينين حائرتين تكشفان كم أنه مشدوه البال: «نعم، ربما نعم». ثم يبدو وكأنه يستعيد وعيه: «ماذا؟ أتقصدين أننا تجردنا من إنسانيتنا؟ لا أعتقد ذلك.. ولكن ليس كل بني البشر لديهم ما يكفي من الإنسانية». يسترسل: «يُخيّل إليّ أن ثمة بشراً ولدوا من دون مشاعر وأخلاق منحدرين إلى الدرك الأسفل من حيوات الشياطين». «إذاً هم مختلفون عنا» معلقةً على حديثه، وأواصل: «لو كانوا مثلنا لتمتعوا بقليل من الخيال الذي يراودنا هذه اللحظة.. في نظرة لا تحتاج لكثير من جهد الاستشراف لقراءة مستقبل محتوم على صبي لم يبلغ السابعة عشر».

لا أستطيع السيطرة على ثرثرة عقلي المرتبك وقلبي المنفطر، أقول: «لعل الموت أرحم.. لماذا لم يقتلوه؟!!»، يرمقني بنظرة متسائلة، أستوعب ما أدعو إليه، هل دعوت للتو إلى قتله؟ بالطبع لا.. وإنما كنت أقصد أن الموت قد يكون أهون الأمرّين من باب أن أكون واقعية، فلعلي لن آتي بجديد يذكر لو ناقشت قضايا القتل خصوصاً قتل الثأر في بعض المجتمعات العربية التي ينتشر فيها، ولكني جدياً أتساءل لماذا لم يختاروا موته ببساطة؟ موتاً رحيماً. لا شك أنني أتحدث عن فتى الزرقاء الذي قطع المجرمون يديه وفقؤوا عينه اليمنى.

قبل مُدة.. شاهدت فيلماً يناقش قضية الموت الرحيم، أعلم أنه محرم شرعاً في ديننا الإسلامي، كونه مؤشراً على اليأس من رحمة الله وضعف إيمان به، ولكن الفيلم من منظور فلسفي إنساني بحت كان مؤثراً ومنطقياً جداً، لاتخاذ قرار الموت الرحيم لمن يعيشون الحياة من دون ممارسة حياة فعلية، وكان الفيلم قد اقترح تشريع ذلك للمرضى الراغبين في ذلك الخيار، على أن يتم موتهم برحمة من خلال إبرة سم أو ما شابه سريعة المفعول ولا تتسبب في عذاب المريض قبيل وفاته.

* اختلاج النبض:

أنا هنا لست بصدد الدعوة للموت الرحيم، بل أبحث عن الرحمة، فأجد أنها تصل إلى كل شيء حتى إلى الموت. فكيف انتزعت الرحمة من مرتكبي الجريمة إلى هذا الحد؟!! على نحو لا يترك بصيص أمل لإمكانية أن يكون للضحية مستقبل يذكر!!