أوضحت (شركة ممتلكات البحرين القابضة) في تقرير اللجنة الذي سيعرض على مجلس النواب في جلسته القادمة « أن بعض المجالات الصناعية أو الأعمال اليدوية أو الخدمية لا تلقى إقبالاً عليها من قبل العامل البحريني بسبب صعوبة ظروف العمل أو الثقافة العامة حول تلك الأعمال».

نعم هذه قناعة موجودة لدى الكثير من المسؤولين وهي أحد أسباب عدم وصولنا لأهداف 2030، قناعة يدحضها عرق البحريني العامل في المصهر السادس في ألبا وفي مصنع التكرير فأي ظروف صعبة ستكون أصعب من ظرف هذين العاملين؟ لِمَ إذاً هذين المثالين دائماً يكونان الاستثناء الذي يشكك بهذه المقولة؟ أليست حالة جديرة بالدراسة؟

حقيقة أقف مذهولة أمام هذا الإقرار الصريح والمباشر بفشل واحد من أهم أهداف 2030 بعد خمسة عشر عاماً وهو أن يكون البحريني هو الخيار الأمثل، حين تكون تلك القناعة واحدة من أسباب الفشل مع غيرها.

قبول البحريني بالوظائف المعروضة في السوق رهن بضماناتها ورهن براتبها ورهن بفرص الترقيه فيها، وبعد ذلك لايهم طبيعة هذه الوظيفة، فالبحريني وغيره لا يجدون غضاضة في العمل مادام الراتب مجزياً ويفتح له بيتاً والوظيفة تحمل قدراً كبيراً من الاستقرار والاستدامة، والدليل ألبا وبابكو، وحينها لن تجد البحريني يشتكي من طبيعة الوظيفة أو من الجهد المطلوب لإتقانها.

قبول الشركات والمصانع بالبحريني موظفاً أو عاملاً أو مسؤولاً فيها رهن بامتلاك البحريني المهارات المطلوبة لتلك الوظائف وقبوله ظروف عمل تلك الوظائف.

وكان من المفروض أن صندوق العمل وهيئة تنظيم العمل وضمان جودة التعليم منظومة ستقودنا إلى الوصول لأهدافنا في الخمس عشرة سنة الماضية لكنهم فشلوا مع الأسف، بدليل أن ممتلكات بالأمس أقرت بأن هذه القناعة مازالت موجودة حتى بعد محاولات اقتلاعها التي استمرت خمسة عشر عاماً.

تزاوج المعادلة المطلوب (البحريني يقبل بالوظيفة والوظيفة تقبل به) يحتاج إلى استراتيجية شاملة وجادة تشرف عليها الدولة ولا تترك دون مراجعة وإعادة نظر في مسلمات كنا ضدها في ورشة العمل الأولى لإصلاح سوق العمل، حيث رفض ولي العهد مقولة إن البحريني لا يقبل بالوظائف المعروضة وكان طموح سموه في هذا الهدف عالياً جداً، وسلمه لفريق كان من المفروض أن ينجح في الوصول لهذا الهدف خلال هذه الفترة.

جواب ممتلكات هو القناعة الثابتة في الحدائق الخلفية لأذهان الكثير من المسؤولين والتي لا يتحدثون بها ورغم مرارتها إلا أنها مع الأسف هي من أوصلنا إلى ما نحن إليه، أن تبقى البحرنة هدفاً خجولاً لا يزيد عن رغبة نيابية تقاومها الشركات الحكومية!

نعم بذلت جهود كثيرة ولكنها دون المطلوب ودون المستوى، نعم صرفت أموال طائلة ولكنها لم تساعدنا على تحقيق أهدافنا، نعم كانت هناك ظروف استجدت وأخرت كثير من خططنا ولكنها لم تكن عائقاً لو أن استعداداتنا للطوارئ كانت موجودة، ورجاء لا نلقي فشلنا على فيروس «كورونا» فهذه الشماعة ما عادت تتحمل الوزن العالق بها!! نعم العملية نجحت لكن المريض مات.

نجاح المعادلة يحتاج إلى عمل جاد وشمولي، يحتاج إلى إعادة النظر في قوانيننا وفي قراراتنا وفي سياسة الأجور وفي مواقع التوظيف وإدارة الموارد البشرية وفي سياستنا التعليمية والتدريبية التي اعتمدناها خلال هذه الخمسة عشر عاماً الماضية ومقارنتها بالأهداف التي وضعنا هذه المنظومة من أجلها، والعثور على مواقع العرقلة ومواقع التحفيز، إنما أول الغيث هو الإقرار بفشلنا والاعتراف أن الهدف مازال بعيد المنال وأن الأرقام التفاؤلية التي يصرح بها المسؤولون لا تعكس الواقع الذي لخصته إدارة ممتلكات.

لا داعي لسرد نجاحاتنا التاريخية في جعل البحريني يشغل معظم الوظائف في مرحلة التأسيس ومنها الوظائف الإدارية والفنية، ما عليكم سوى العودة لوضعنا قبل خمسين عاماً، ورؤية القطاع النفطي والصحي والمصرفي، بل النظر إلى الوظائف الفنية، حين كانت راتبها يفتح بيوتاً وطريقاً للارتقاء.

كما أنه لا داعي لاستعراض نجاحات المملكة العربية السعودية في الاقتراب من أهدافها المشابهة لأهدافنا واستعراض منظومتها الشاملة التي وضعتها، وحزمها وجديتها في السير قدماً لهذه الأهداف. كم مسؤول غادر موقعه؟ و كم قرار حازم طبق على الجميع دون استثناء؟ لأن الهدف كان واضحاً ولأن النفس كان طويلاً في الإصرار على تحقيقه.

نحن نستطيع خلال الخمس سنوات القادمة أن نفعل أكثر من ذلك لو نحينا جانباً التقارير التفاؤلية غير الواقعية ولو اعترفنا بالمسافة الحقيقية التي بيننا وبين أهدافنا.