وليد صبري




* حماية المصاب بالفيروس من التنمر تبدأ من فترة الحجر


* الوصمة الاجتماعية تؤدي لتفاقم الإصابة بـ "كورونا"

* 4 فئات تتعرض لـ "الوصم الاجتماعي" نتيجة الفيروس

حذرت رئيس مستشفى الطب النفسي في البحرين، وزميلة الكلية الملكية للأطباء النفسيين، في إنجلترا، د. شارلوت عوض كامل، من "خطورة تعرض المصابين بفيروس كورونا (كوفيد19) للتنمر"، مشيرة إلى أن "الوصمة الاجتماعية تزيد من احتمالية تفاقم الحالات نتيجة إخفاء البعض لإصابته، أو إصابة أحد في أسرته بالفيروس تجنباً لهذه الوصمة التي يمكن أن يتعرض لها المصاب حتى بعد أن يتعافى".

وأضافت في تصريحات لـ "الوطن" أن "الوصمة الاجتماعية هي الارتباط السلبي بين الشخص ومجموعة من الأشخاص الذين أصيبوا بمرض معين أو خصائص معينة"، مشيرة إلى أن "فيروس (كوفيد19) هو مرض جديد ولا يزال الكثير مجهولاً عنه وهناك تضارب في بعض حقائقه عالمياً، وأي شخص سوي يخاف من المجهول، والشعور بسوء الحظ "لماذا أصابني أنا وليس الآخرين"".

وتطرقت د. شارلوت إلى "الفئات الاجتماعية التي تتعرض للوصم الاجتماعي"، موضحة أنها "تتضمن الأشخاص العائدين من السفر، والعاملين في مجال الرعاية الصحية والطوارئ، والحالات القائمة بالفيروس وعائلتهم وأصدقائهم، والأشخاص الذين أنهوا فترة الحجر الصحي الاحترازي".

وتحدثت عن بعض ردود الأفعال قائلة إنها تتضمن "الخوف الشديد والاحتراز الدقيق المستمر، أو الإهمال في الإحساس في عدم وجود جدوى لطلب المعونة أو الاحتراز وقد يدفع ذلك إلى إخفاء الحالة القائمة وجود أعراض توحي باحتمال وجود الفيروس، وعدم التماس الرعاية الصحية على الفور، وعدم تبني سلوكيات صحية"، منوهة إلى أن "حماية المصاب بالفيروس من التنمر تبدأ من فترة الحجر".

وأوضحت أن "أسباب النظرة السلبية للحالات القائمة لفيروس (كوفيد19)، تتعلق بغياب الوعي لدى الكثيرين بخطورة الفيروس وأعراضه وطرق انتقاله، وقد تقدمت البحرين على دول كثيرة وتبوأت مكانة متقدمة على دول العالم في تكثيف الحملات التوعوية من خلال الحملة الوطنية لمكافحة فيروس (كوفيد19) على جميع المستويات، ومن خلال كافة وسائل الإعلام لضمان وصول الرسالة إلى كافة فئات المجتمع وجميع الأعمار، وكذلك تم التواصل من قبل المرشدين النفسيين والأخصائيين الاجتماعيين مع الأشخاص في مراكز الحجر الصحي الاحترازي وكذلك في مراكز العزل والعلاج لإسداء الدعم المعنوي وتشجيعهم بعد العودة إلى أسرهم والمجتمع بتوعية الآخرين وعدم إخفاء الأمر حيث إنه من الممكن حدوثه لأي فرد وليس نتيجة أخطاء آخرين، وانتشار الشائعات والمعلومات المضللة عن الفيروس مثلاً يشعر بعض أفراد أسرة الشخص الذي خضع للحجر أو العزل أنه بعد أن أكمل فترة العزل والحجر وتم عودتهم لحياتهم اليومية بأنهم مازالوا مصابين بـ (كوفيد19)، وقادرين على نقل العدوى، وأن لوم مجموعة معينة من الناس أو وصمها يمكن أن يكون مؤذياً أو خطراً، إذ يؤدي ذلك إلى جعل تلك المجموعات أهدافاً مستباحة للبعض ويولد تحديات للتغلب على الجائحة المنتشرة".

وفيما يتعلق بعلامات الوصمة الاجتماعية، أفادت بأنه "يتعرض هؤلاء الأشخاص إلى الاستبعاد والنبذ من محيط العائلة والأصدقاء، وقد يحرمون من الحصول على بعض المزايا، وقد توجه إليهم إساءات لفظية وعاطفية وجسدية، ويشعرون بالوحدة عن ذويهم مما يؤثر عليهم أكثر من تأثير تواجدهم في مراكز الحجر الصحي أو مراكز العزل والعلاج، ويشعرون هؤلاء الأفراد بالعزلة والاضطهاد المعنوي من قبل أسرهم أو الجيران أو الأصدقاء حيث يعاملون على أنهم مصدر لخطر نقل العدوى، ويصاب الشخص أما بلوم النفس أو الإحساس بالذنب أو النقص مقارنة بمن حوله أو الغضب العارم من كل من حوله".

وذكرت أن "خطورة الوصم الاجتماعي والتنمر، تكمن في تقويض جهود اختبار المرض وعلاجه مما يدفع بعض الأشخاص إلى تجنب الخضوع للفحوصات الطبية أو حتى طلب الرعاية الطبية مما يزيد خطر إصابتهم وإصابة غيرهم بالعدوى".

وأوضحت أن "هناك وسائل للحد من الوصم الاجتماعي بخصوص (كوفيد19)"، موضحة أن "نشر الحقائق عن الفيروس هو أحد طرق مكافحة الوصم الاجتماعي عبر تبديد الصور المنطقية المسيئة ويشمل الاطلاع على الحقائق حول (كوفيد19)، من مصادر موثوقة مثل منظمة الصحة العالمية والموقع الرسمي لوزارة الصحة والجهات المعنية في مملكة البحرين، ومشاركة الحقائق والمعلومات مع أسرة الفرد، والاهتمام الخاص مع الفئات المستهدفة بالوصم وإعطائهم كافة المعلومات اللازمة والإجراءات التي يجب اتخاذها لتقديم العون لهم، فالدعم المعنوي الفردي لهؤلاء الأشخاص يمنع تأثير الوصم السلبي عليهم، ودعم العاملين في الرعاية الصحية من كافة الفئات الذين يقدمون الرعاية للحالات القائمة للفيروس، فتواجه الوصم بمشاعر الشكر والامتنان بكافة الطرق ويشمل ذلك وسائل التواصل الاجتماعي كما حدث في مملكة البحرين حيث تم بث رسائل شكر مكثفة ووافية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي للأطباء والممرضين وكافة العاملين الصحيين في مختلف المواقع، ودعم المتطوعين من مختلف شرائح المجتمع الذين ساهموا مساهمة فعالة خلال الظرف الاستثنائي لفيروس (كوفيد19)".

وفي رد على سؤال حول كيفية مواجهة الحالة القائمة بفيروس كورونا المجتمع بعد شفائه من الفيروس، أفادت د. شارلوت بأنه "يبدأ إعداد الحالة القائمة لمواجهة الموقف منذ الدقائق الأولى، وذلك ببث الطمأنينة لها"، وذكرت أن "العدد الأكبر من الناس ممن أصيبوا بالفيروس يتم علاجهم يومياً، وقد تشافت نسبة كبيرة منهم، حيث إن الارتفاع بالحالة المعنوية وبث الإيجابية عوامل هامة لابد أن تُذكر للشخص حين تثبت إصابته".

ونوهت إلى أن "عملية الدعم المعنوي تشمل طوال فترة بقائه في مراكز الحجر الصحي الاحترازي أو مراكز العزل والعلاج من خلال الفريق المشرف المحيط به، وكذلك هناك الخط الساخن للدعم النفسي والمعنوي الذي بدأ منذ اليوم الأول وتم توزيع الرقم في كافة مراكز الحجر الصحي الاحترازي والعزل والعلاج، ويقوم بذلك الدعم نخبة مميزة من الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين وكذلك الأطباء من مستشفى الطب النفسي، ويتم تلقي الاتصالات طوال اليوم وطوال أيام الأسبوع، بالإضافة لذلك تم طباعة نشرات توضيحية للحالة المعنوية وكيفية التغلب على أي مؤثر وكذلك شريط استرخاء البدني والفكري".

وقالت رئيس مستشفى الطب النفسي إنه "بعد خروج الحالة سواء من مركز الحجر الاحترازي أو العزل والعلاج، لابد أن يستمر التواصل معه من قبل الفريق المحيط به ولذلك لمساعدته وإسداء النصح والمشورة إذا ما تعرض لأية محاولات تنمر أو خوف لمساعدته في التغلب عليها وكذلك شرح كافة الأمور للأسرة المحيطة بالشخص لتصحيح المفاهيم الخاطئة حيث أن ترخيص الشخص إلى منزله يجب أن يكون خبراً سعيداً".

وبشأن حديث الشخص عن إصابته بالفيروس إلى الآخرين، أفادت د. شارلوت بأنه "لابد قبل خروج الشخص من مراكز الحجر أو العزل والعلاج أن يتم تشجيع الشخص على عدم إخفاء الحقائق حيث إن ذلك يشكل عبئاً معنوياً ونفسياً كبيراً على الشخص نفسه، فلابد له أن يخبر من حوله بالحقائق ويتقبلها ويشجع أسرته على تقبلها حيث إن الإخفاء يعتبر وكأنه يهاجم نفسه داخلياً بالوصمة، والوضوح والانفتاح مع أسرته وأصدقائه وإبداء مشاعر الارتياح أنه انتصر على الفيروس وتعافى منه يشعره بالقوة والإيجابية التي يمكن أن يبثها إلى أفراد أسرته، وإذا شعر أفراد الأسرة أن الشخص الذي كان مصاباً قد تعافى وينظر إلى الأمر بطريقة إيجابية فسوف ينهجون نفس النهج".

ولفتت د. شارلوت عوض كامل إلى أن "الوصمة موجودة في أي مرض كنزلات البرد العادية والأمراض غير المعدية كالسرطان، فيكون هناك إحساس سلبي إلى حد ما ولكن هذا الإحساس يزداد في حالات (كوفيد19)، حيث إنه فيروس معدي فلابد من شرح تفصيلي سابق قبل خروج الشخص من مراكز العزل والعلاج أو مراكز الحجر الصحي الاحترازي، وإذا ما شعرنا أن الشخص يشعر بالاكتئاب والخوف والتوتر الشديد فلا بد من لقائه مرشداً نفسياً، ويكون الإرشاد النفسي والتقوية النفسية أكثر فعالية حينما توجه إلى عدد أكبر من الأشخاص الذين تم ترخصيهم من هذه المراكز بالإضافة للاتصال الفردي مع المعنيين حيث يتم الشرح عن طريق برامج التواصل الاجتماعي كمجموعة لشرح رحلتهم مع الفيروس وإعطائهم إرشادات عن كيفية مواجهة أسرهم وأصدقائهم".

وقالت إنه "من الممكن أن تتعرض عائلة الحالة القائمة أيضاً للتنمر، حيث يمكن للوصمة بالمرض أن تحدث للأسرة فنحن مجتمع صغير ويمكن للأخبار أن تتنقل سريعاً، ويمكننا أن نتغلب على ذلك بضرورة الاهتمام بأسرة الحالة القائمة أو الذي خضع للحجر الصحي للإجابة على تساؤلاتهم المختلفة قبل وبعد دخول وخروج الشخص من مراكز الحجر الصحي والعزل والعلاج، وتعطى المعلومات الصحيحة عند ترخيص الشخص له ولأسرته ويستمر التواصل مع الجهات المعينية للاستفسار والتوضيح عن المخاوف المختلفة حتى بعد ترخيص الشخص مع استمرار الإجراءات الاحترازية للجميع".

وفي رد على سؤال حول دور الطب النفسي في علاج الحالة القائمة لفيروس (كوفيد19)، الذي يتعرض للتنمر، أوضحت رئيس مستشفى الطب النفسي أنه "منذ بداية الانتشار العالمي للفيروس تم إعداد عدة برامج لمساعدة كافة الأفراد في التغلب على الضغوط النفسية المصاحبة للجائحة وتشمل:

أولاً: تجهيز مراكز العزل والعلاج ومراكز الحجر الصحي الاحترازي، والتي تتضمن الاتصال التلفوني بالشخص وأقاربه، والاتصال المرئي مع بعض الأفراد حسب رغبتهم وذلك لإسداء الدعم المعنوي، وجاري إعداد عدة بحوث عن التأثير النفسي للجائحة على الأشخاص في هذه المراكز، وكذلك الجمهور العام وانطباعاته عن تأثيرات الجائحة أسوة بما يحدث في كافة بلدان العالم للتوصل إلى أحسن الوسائل والطرق للتغلب على الآثار النفسية للجائحة، والتواصل مع كافة مديري مراكز الحجر الصحي والعزل والعلاج، وإذا ما حدث أي اضطراب نفسي أو ردود أفعال متزايدة ينتقل فريق الخط الساخن إلى المراكز للتعميم وإسداء المشورة والتهدئة ومتابعة الشخص المتواجد في مركز الحجر الصحي أو العزل والعلاج، إلى جانب البرامج الإذاعية التي قام بها نخبة من العاملين في مجال الصحة النفسية للتوعية عن كيفية التغلب على الآثار النفسية للجائحة.

ثانياً: خدمات التقييم والعلاج النفسي: وبالنسبة لجمهور المرضى النفسيين الذين يتلقون العلاج فهناك عيادات تعمل يومياً من خلال الاتصال ومناقشة تطور الحالة النفسية وإسداء الدعم والمشورة وكذلك وصف الدواء اللازم بالإضافة للجلسة النفسية المطولة، وجلسات نفسية داخلية في كافة أقسام الطب النفسي وذلك لبث الطمأنينة للأشخاص المتواجدين في المستشفى حول العلاج وإسداء الدعم النفسي والمعنوي، كما أنه يوجد فريق متكامل من أطباء وممرضين لتغطية شاملة على مدار الساعة لقسم الطوارئ لمقابلة الحالات الواردة في مراكز الحجر والعزل والعلاج لتقييمها وإعداد خطة مساعدة".

وفيما يتعلق بطرق حماية الحالة القائمة بفيروس (كوفيد19)، من التنمر، أوضحت د. شارلوت أنه "تمتد نظرة الوصمة للأشخاص السلبية إلى الحالات القائمة بالفيروس ويمكن أن تصل إلى حد التنمر، علماً بأن الفيروس يصيب الناس دون تمييز، ولكن نتيجة الخوف من الوصمة يلجأ البعض إلى إخفاء إصابته أو أصابه أحد في أسرته بالفيروس تجنباً للوصم الاجتماعي الذي يمكن أن يتعرض له حتى بعد أن يتعافى".

وأضافت أن "الوصم الاجتماعي يزيد من احتمالية تفاقم الحالات نتيجة إخفاء البعض لإصابته، لذلك لابد من التركيز على الممارسات الأساسية للوقاية من العدوى والأعراض التي تستدعي طلب الرعاية الصحية، والتحكم في المعلومات غير الدقيقة وعدم إطلاق الشائعات، وعدم الإسهاب في إعطاء معلومات متضاربة عن اللقاح والعلاج النهائي والحصول على المعلومات من مصادر موثوق بها ونعني بذلك التصريحات الرسمية من وزارة الصحة والفريق الوطني الطبي للتصدي لفيروس (كوفيد19)، وتوصيل الدعم والتشجيع لأولئك الذين هم في الخطوط الأمامية للاستجابة، ويشمل ذلك الأطباء الممرضين والعاملين الصحيين والمتطوعين، ولابد من اختيار الكلمات بعناية الموجهة للأفراد لأن الخوف لن يوقف انتشار الفيروس".

وخلصت د. شارلوت إلى أنه "ختاماً ندعو من الله سبحانه وتعالى أن يمن على كل شخص مصاب بالعافية، منوهة بأن الالتزام الكامل بالإجراءات الوقائية لمنع انتقال العدوى لا يتعارض إطلاقاً مع التعاطف مع حالة القائمة، فهو إنسان في لحظة شدة ويحتاج منا جميعاً أن نقف إلى جواره حتى ينتصر على الفيروس ويتعافى".