تابعت باهتمام بالغ على منصة نتفليكس «Netflix» مسلسل «التاج، The Crown»، الذي يروي السيرة الإنسانية لأهم العائلات الملكية الحاكمة في العالم، وهي الأسرة الحاكمة البريطانية وعلى رأسهم الملكة إليزابيث الثانية، أطول ملوك بريطانيا عمراً وجلوساً على العرش بعد تخطيها فترة الستة عقود، فقد عاصرت 12 رئيساً أمريكياًَ و12 رئيس وزراء ببريطانيا و7 باباوات.

وقد كانت فترة حكمها من أهم الحقب في التاريخ البريطاني، فقد خلفت والدها الملك جورج السادس بعد وفاته وتوجت ملكة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس لامتداد مستعمراتها لستة عشر دولة من مجموع ثلاثة وخمسين من دول الكومنولث التي ترأسها.

تولت إليزابيث الحكم في مرحلة مفصلية من تاريخ العالم، بعد الحرب العالمية الثانية وانهيار وتفكك الإمبراطوريات من حولها في أوروبا وسقوط المستعمرات وبدأ الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.

رغم كل ذلك استطاعت تجاوز الأزمات السياسية والاقتصادية بالحكمة التي توارثتها عن أجدادها رغم صغر سنها، وبالتزام الصمت تجاه شؤون الحكم تلك الحكمة والوصية التي تعلمتها من جدتها الأميرة فيكتوريا ماري التي عاصرت 3 ملوك، ونجحت في الحفاظ على استقرار الدستور البريطاني وهيبة التاج البريطاني.

وبعيداً عن السياسة حمل المسلسل الكثير من المعاني الإنسانية التي تستحق التفكر والتعمق في أبعادها والتي تجعل من متعة المشاهدة إضافة لخبراتنا الإنسانية في الحياة، وقد أثبتت الدراما البريطانية مدى عمقها وحضورها ورصانتها في ظل الدراما الأمريكية التي تعتمد في كثير من الأحيان على الإثارة والعاطفة.

رسم المسلسل بكل براعة علاقة الملكة إليزابيث برؤساء الوزراء المتعاقبين وحنكتها ومرونتها في التعامل مع الأحزاب المعارضة والصحافة الحرة، ودهاليز السياسة وكواليس العمل الدبلوماسي. وقد سلط المسلسل الضوء بشكل خاص على أهم رئيس وزراء بريطاني في العصر الحديث وهو وينيستون تشرتشل، في نهاية حياته السياسية وصراعه مع الهرم ومكابرته في الاعتراف بوهن الجسد والعقل حيث تجاوز الثمانين، ما يدعونا للتأمل في معركة الإنسان مع قسوة الزمن في آخر محطات العمر، وما يعتريه من حالة النُكران التي تلازمه برفضه كل مظاهر العجز والضعف والمرض الذي ينخر بالجسد، ودائماً ما تأتي تلك اللحظة الكاشفة مع الذات لتهزم تلك الصورة الهشة، والتي استسلم من بعدها تشرشل وقرر الاستقالة والاعتراف بحقيقة أن عجلة الزمن لابد أن تدور، وأن الأمم بحاجة دائماً إلى دماء جديدة لتبث فيها الحياة من جديد.

وعلى صعيد آخر كانت من أهم الأجزاء التي تابعها المشاهدون بفضول وترقب الجزء المرتبط بقصة حياة الأميرة ديانا أميرة ويلز والزوجة الأولى لولي العهد تشارلز، هذه القصة التي هزت العرش البريطاني وشغلت الرأي العام العالمي والتي لازالت تفاصيلها حاضرة في الأذهان، حيث جعلت الملايين يتعاطفون مع ديانا تلك الأميرة التي سحرت القلوب والألباب، وجرت الكثير من النقمة والغضب على الأمير تشارلز، لما تعرضت له من بؤس في حياتها باختياره لعشيقة أقل جمالاً وسحراً من ديانا مما تسبب في تدميرها نفسياً وعصبياً وأودى بحياتها في نهاية المطاف. وللحديث بقية.