بعودة الديمقراطيين إلى السلطة الأمريكية يطرح السؤال نفسه هل ستعود السياسة الأمريكية إلى صبغتها الأوبامية الخاصة بمملكة البحرين؟ أم َستُرسَم خطوطٌ جديدة تأخذ في الاعتبار المتغيرات التي جرت في البحرين خلال السنوات الأربع الماضية؟ هل سيتخذ الديمقراطيون قراراً بالسير عكس اتجاه ترامب أياً كانت النتائج؟ أم أن الموقف والسياسة سيحددهما الأمر الواقع على الأرض؟

العلاقة البحرينية الأمريكية رغم قدمها وعراقتها إلا أن الثمان سنوات الأخيرة جرى عليها بعض الطوارئ والمتغيرات وسمت العلاقة بالمد والجزر، إبان الحقبة الأوبامية ومن بعدها الحقبة الترامبية، وهما حقبتان متناقضتان تماماً في طبيعة العلاقة بين الدولتين، وعلى اختلاف جذري بينهما، تجاه العديد من الملفات الأمنية والعلاقات الدولية.

والآن يجري إعادة ترتيب الأوضاع ورسم وتحديد المواقف الأمريكية من جديد مع الإدارة الأمريكية ونتمنى أن يكون للرأي العام البحريني أثرٌ في تحديد المواقف الأمريكية تجاه وطننا البحرين.

بغض النظر عن أي حقبة ومن في السلطة ديمقراطيون أم جمهوريون، إلا أن البحرين اليوم هي أكثر أمناً عما كان عليه الوضع من 2011 إلى 2018، والنسيج الاجتماعي البحريني أكثر انصهاراً وتوحداً بين جميع فئات المجتمع، والتدخلات الإيرانية حوصرت بشكل كبير في الداخل البحريني وعلى الحدود والمنافذ، وهذه مكتسبات وطنية لن نفرط فيها أبداً، سنبني عليها بمزيد من أواصر الوحدة الوطنية بغض النظر عمن هو موجود في البيت الأبيض.

على صعيد القضاء ومراكز التأهيل والمنظومة التشريعية وكل ما يتعلق بالتعامل مع حالات الإخلال بالقانون وهي الملفات التي شغلت إدارة أوباما -ولله الحمد- البحرين تكفل كل الضمانات للمتهمين وللمحكومين على حد سواء، فإذا لم تتمكن الحقبة الأوبامية أن تتدخل وتملي علينا موقفاً رغم كل ضغوطها في أوج أوانها، فلا أنصح بإعادة تلك التجربة الفاشلة، بل أن تلك الضغوط تسببت بشرخ كبير في العلاقة الأمريكية البحرينية على المستوى الشعبي، نتمنى أن تكون درساً للجميع بأن العودة للوراء أمر غير ممكن وأن المجتمع البحريني سيتصدى له ولن يسمح به.

جرت مياه كثيرة في الآونة الأخيرة، ولدى البحرين قصص نجاح عديدة على المستوى الحقوقي للإنسان، في واقع المرأة والطفل والأقليات والاتجار بالبشر والمساواة وحرية الأديان والتعايش والعلاقات مع إسرائيل ويكفي تتبع قصة البحرين مع جائحة كورونا كي تعرف البحرين جيداً، فذلك النجاح لم يأتِ من فراغ، بل أن قصتنا ممكن أن تكون ملهمة لكم وتساعدكم في التعلم خاصة في التعامل مع غير البحرينيين على أرضنا.

تلك مكتسبات تاريخية بنينا عليها الكثير وبإمكان طاقم السفارة الجديد أو سفيرها الجديد بعد التعيين أن يقوم بجولة ميدانية يرى فيها تلك النجاحات (رغم أنهم يعرفونها) ولكن لنقل أن الإدارة الجديدة تريد تقريراً يكتبه طاقمها (الديمقراطي) لا تقرير الطاقم الترامبي الذي تم تغييره، لا بأس .. فالبحرين بلد يتمتع بشفافية عالية جداً وأبوابه مفتوحة وعنده من الثقة بنفسه!

خلاصة القول إن تحديد موقف الإدارة الجديدة من البحرين سيكون بناء على أكثر من عامل، مما يجعل العلاقات بينها والبحرين رائعة وتخدم مصالح الدولتين إن أردنا، لا استناداً على وجود الأسطوال الخامس والقاعدة الأمريكية فحسب، وليس بناء على التاريخ العريق للعلاقة فقط، بل بناء على أن واقع مملكة البحرين الذي تتشارك فيه مع الولايات المتحدة في العديد من القيم الإنسانية، بالرغم من وجود الاختلافات في البعض الآخر، والعامل الآخر الذي يوسم طبيعة العلاقة بناءعلى درجات الديمقراطية التي تسير بها المملكة ذات التجربة العشرينية.

الولايات المتحدة الأمريكية وهي تغادر أفغانستان والعراق كجنود وقوى عسكرية، وتبقي على درجة الاستشارية والتدريب في تلك الدولتين اللتين تدمرتا بالكامل، بحاجة إلى كل إسناد لها في المنطقة وإلى حلفاء حقيقيين يحفظون ما تبقى لها من مصالح في هنا.

على صعيد آخر البحرينيون يتابعون عن قرب واقع حقوق الإنسان في إيران وواقع الديمقراطية في قطر على سبيل المثال ويعرفون أن العلاقات الأمريكية مع تلك الدول تغض الطرف عن هذين الملفين هناك من أجل أهداف أخرى بعيدة عن تلك الملفات وهذا يؤثر كثيراً على مصداقيتها حين تفتح هذه الملفات مع دول أخرى بحجة اهتمامها بالرغم من أن البحرين في الملفين تتفوق على تلك الدول بكثير إلا أننا نذكر فقط وجهة النظر غير الرسمية للبحرين.

كما أن الإنسان يتعلم من أخطائه فالدول أيضاً تتعلم، وكما يبني الإنسان على نجاحاته ولا يهدم ويخسر ما بناه، كذلك الدول.

مع تمنياتنا الصادقة والمخلصة بعلاقة قوية بين مملكتنا والولايات المتحدة الأمريكية علاقة متينة مبنية على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.