زيارة يجريها وزير الخارجية الأمريكية أنطوني بلينكن، لباريس، على وقع أزمة غير مسبوقة بين فرنسا والولايات المتحدة، فهل يرطب هوى العاشق لفرنسا أجواء التوتر؟

وتتوقع وسائل الإعلام الفرنسية أن يكون استقبال الوزير الأمريكي، المعروف بحبه لفرنسا ولثقافة هذا البلد، فاترا هذه المرة، وسط الأزمة التي تمخضت عن "صفقة الغواصات" على خلاف الترحيب الذي لقيه كصديق، في يونيو/حزيران.



ووصل بلينكن مساء أمس الإثنين فرنسا، للمشاركة على مدى يومين في اجتماعات منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، وسيلتقي صباح اليوم الثلاثاء نظيره الفرنسي، جان إيف لودريان، قبل أن يستقبله أحد مستشاري الرئيس إيمانويل ماكرون.

والهدف من هذه اللقاءات "تحديد المراحل" من أجل "السماح بعودة الثقة" على ما أوضح الجانب الفرنسي، محذرا بأن "الخروج من الأزمة سيستغرق وقتا وسيتطلب أفعالا".

لقاءات في الظلام

وستشكل زيارة بلينكن الذي سبق أن التقى وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في 23 سبتمبر/ أيلول الماضي، في نيويورك، بعيدا عن عدسات المصورين، محطة ضمن هذه الآلية، قبل لقاء على انفراد بين رئيسي البلدين إيمانويل ماكرون وجو بايدن، أواخر أكتوبر /تشرين الأول الجاري، في أوروبا.

لكن المؤشرات تفيد بأن أجواء من الفتور ستخيم هذه المرة على زيارة بلينكن الذي يتقن اللغة الفرنسية ويعتبر فرنسا "وطنه الثاني" بعدما أمضى فيها سنوات شبابه.

فلم يدرج أي اجتماع بين بلينكن وماكرون على جدول الزيارة، رغم أن الرئيس استقبله في قصر الإليزيه في مطلع الصيف.

أما لودريان، فمن المتوقع أن يحدّ قدر الإمكان من ظهوره مع نظيره الأمريكي، ولن يعقدا مؤتمرا صحفيا مشتركا، على خلاف لقاءاته السابقة في يونيو، حين بادر بلينكن بحفاوة قائلا له "أهلا بك في بلادك".

فالوزير الفرنسي الذي كان يتباهى قبل وقت قصير في أحاديثه الخاصة بعلاقته "الممتازة" مع نظيره الأمريكي ويصفها بأنها الأكثر "حيوية وثقة وتحفيزا" في مساره الوزاري، بدّل نبرته منذ منتصف سبتمبر.

وتعرب واشنطن من جهتها عن موقف مماثل إذ أكدت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي، المكلفة بشؤون أوروبا، كارن دونفرايد قبل زيارة بلينكن: "يجب أن تفضي محادثاتنا إلى أفعال ملموسة تظهر كيف سنعيد الثقة من خلال العمل معا"، من غير أن توضح إن كان من المتوقع صدور إعلان في ختام اللقاءات في باريس.

واندلعت الأزمة في منتصف سبتمبر/ أيلول الجاري، حين أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن قيام تحالف إستراتيجي جديد مع أستراليا والمملكة المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، في سياق التصدي للصين الذي يشكل أولى أولوياته.

ومع قيام هذه الشراكة التي أطلق عليها اسم "أوكوس"، فسخت أستراليا عقدا ضخما لشراء غواصات فرنسية، ما أثار غضب باريس وتسبب بأزمة قلما تحدث، أطلق عليها إعلاميا "أزمة الغواصات".

هدوء في عاصفة

ولم تهدأ الأزمة قليلا بين البلدين إلا بعد اتصال هاتفي بين بايدن وماكرون في ختام أسبوع من التوتر الشديد. وأقر الرئيس الأمريكي بأنه كان بإمكان بلاده التواصل بشكل أفضل مع حليفتها، منذ زمن طويل، وباشر الرئيسان "آلية مشاورات معمقة".

وأعرب مصدر أوروبي قبل فترة قصيرة عن أمله في أن تكون الأزمة حافزا للتوصل إلى نتيجة إيجابية وأن تتيح "توضيحا" بين ضفتي الأطلسي حول طموحات دفاع أوروبي في تكامل مع الحلف الأطلسي، وهو مشروع طرحه ماكرون نفسه.

كما يطالب الرئيس الفرنسي بالاعتراف بوضع فرنسا كـ"قوة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ" في إطار ما زال يتحتم تحديده.

ورأى الباحث برونو تيرتريه والسفير السابق ميشال دوكلو في مذكرة لمركز مونتينه للدراسات أنه "من المفيد" أن تخفض فرنسا حدة نبرتها حول سلوك شركائها.