«خلاص» يا جماعة، أصبحنا في وضع لا نحتاج فيه لا إلى وزارة الداخلية تحديداً ولا أية وزارة أو جهة رسمية أخرى عموماً لـ «تُتعب» نفسها وتخرج علينا لتدلي ببيانات رسمية وتصريحات تتضمن معلومات مؤكدة وموثوقة بشأن أي موضوع كان ومهما بلغت درجة الأهمية؛ وذلك لأن «البديل» بات متوافراً، بل متوافراً بكثرة مفرطة.

منذ زمن وأنا أنصح من أعرفه بألا يعتمد على معلومات تنشر هنا وهناك على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا إن كانت مواقع تابعة لجهات رسمية، أو أن ما ينشر في تلك المواقع يكون «نقلاً كاملاً» عما صدر عن الجهات الرسمية.

عملية تحول كثير من هذه الحسابات من «منصات إخبارية ناقلة للأخبار» إلى منصات «كاشفة للمعلومات بأسلوب السبق» هو ما ساهم في نشر كثير من الشائعات وإثارة القلاقل، وهي مسألة سبق وتم التطرق لها، إذ أية منصة إخبارية لابد وأن تمتلك مصادرها الإخبارية الموثوقة لا أن تنقل الأخبار من مصادر أخرى، إذ النقل يختلف تماماً عن صناعة الخبر.

وحتى عملية صناعة الخبر لها محددات وأطر هامة، إذ في مواضيع حساسة وهامة لابد وأن تكون مبنية على مصادر رسمية موثوقة، سواء أكانت معتمدة على التصريح الرسمي، أو الاجتهاد في استنطاق المتحدثين الرسميين أو المسؤولين، لكن الاعتماد على أسلوب «النقل»، أو الأسلوب الآخر الأخطر وهو «النقل مع إضافة البهارات» أو تطعيم الخبر بمعلومات غير موثوقة، فإن هذا ما يخلق أثراً سلبياً من قبل بعض هذه الوسائل، يؤثر حتى على سير عمل الجهات الرسمية.

هنا التحية موصولة للحسابات التي تنقل الأخبار بحرفية ذاكرة المصدرة وبأسلوب لا يثير القلق والهواجس لدى الناس، وحتى إن سعت لصنع خبر ما فإنها تصنعه بشكل صحيح ومسؤول.

في جانب آخر حتى بعض الأفراد وإن كانت لهم شخصياتهم الاعتبارية، حينما ينشرون أموراً لا تعبر عن «آرائهم الخاصة» بل ينشرون ما يقنعون الناس بأنها معلومات رسمية مؤكدة، وأن عليهم الانتظار لسويعات لتتحقق لا محالة، ثم لا تتحقق، فإن هؤلاء -مع احترامنا الشديد- باتوا يحوّلون الفضاء الإلكتروني إلى مساحة مشبعة بالفوضى. مثال ذلك، مازلت أنتظر تحقق ما نشرته إحدى الشخصيات بشأن «إسقاط الحكومة لقروض المواطنين»، إذ منذ ذلك اليوم لم يتحقق شيء، بل لم تعلق حتى الوزارة المختصة على ذلك، وهو ما جعل الناس تستاء من نشر «آراء» وكأنها «معلومات مؤكدة» بالنيابة عن الحكومة! وهو أمر يتكرر كثيراً خاصة من قبل بعض النواب، إذ بعضهم يصرح بدلاً من هذا الوزير أو ذاك، ويعد الناس بـ«تحقق أمور» ثم لا يحصل شيء ما.

ما يحصل اليوم هو بمثابة التعدي على «الاختصاصات» بشكل يثير الفوضى، إذ الأمور المعنية بالأمن وسلامة المجتمع وبحث القضايا التي تتضمن شبهات جنائية مسألة وحدها الجهات الأمنية «صاحبة التخصص» في متابعة القضايا الأمنية، ووحدها التي ينبغي أن تصرح وتصدر بيانات تطمئن فيها المجتمع أو توجههم أو تنبههم، وما حصل مؤخراً بشأن الطفلة المفقودة ورغم وجود اجتهادات شخصية أهدافها طيبة إلا أن «الحلول محل الجهات الأمنية» له تبعاته السلبية، وهو ما حصل بانتشار «بوستات» على وسائل التواصل الاجتماعي تشير للعثور على الفتاة، وبعضها يذكر والدها، وكلها أمور جعلت الناس تتحدث في الحادثة وكل يلقي فرضية ويضع سيناريو معيناً، حتى جاءت وزارة الداخلية لتحسم الجدل ببيان يوضح الأمور. هنا من يتحمّل مسؤولية ما حصل؟!

دعوا الاختصاص لأهل الاختصاص، خاصة لو كانت مسائل أمنية وتمس المجتمع، لأن التداخل والتسرّع بهدف السبق غالباّ ما يسبب قلقاً مجتمعياً ويسهم في انتشار الإشاعات والمعلومات المغلوطة.