في كثير من الأحيان ورغم حصولنا على النوم الكافي وعدم بذل أي مجهود عضلي فوق المعتاد قد نشعر بالتعب والإرهاق المستمر، وسبب هذا الشعور ومسبباته يعود إلى أسباب متعددة وقد تكون عضوية أو غير عضوية أو لأسباب نفسية.

ومن أهم الأسباب شيوعاً والمعروفة في المجال الطبي، هو نقص نسبة الحديد في الدم (ما يسمى بالأنيميا أي النقص في نسبة الهيموجلوبين) بسبب عدم تناول الأطعمة التي تحتوي على عنصر الحديد مثل اللحوم وغيرها، والذي يعتبر العنصر الرئيس لنقل الأكسجين لجميع خلايا الجسم، حيث إن نقص الحديد من شأنه أن يسبب الشعور بالإرهاق عند بذل أي نشاط يومي عادي وبشكل مستمر.



اختلال مستوى السكر في الدم عن المعدل الطبيعي، غالباً هبوط مستوى السكر مثل الصيام، قد يمنح الصائم بشكل مؤقت هذا الشعور بالإرهاق والخمول ولكن هذه الأعراض تزول عند الإفطار في حال عدم وجود مسببات أخرى، أما بالنسبة لارتفاع نسبة السكر لفترات طويلة خاصة لمرضى السكري بنوعيه (الأول والثاني) أو للأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة مع متلازمة مقاومة الأنسولين، ترتفع نسبة الجلوكوز (السكر) في الدم، حيث يعمل الجسم على تحليل الكربوهيدرات إلى جلوكوز أو السكر الأحادي، وأحياناً لا يستطيع الجسم إنتاج كميات كافية من الأنسولين وبالتالي يؤدي إلى تكدس السكر في الدم وبقاء الخلايا دون غذاء، هذا الأمر يجعلنا نشعر بالتعب المستمر بالإضافة إلى الأعراض الأخرى مثل كثرة التبول والعطش الشديد وفقدان غير مبرر للوزن وعدم وضوح الرؤية.

ومن أهم الأسباب أيضاً، هبوط في معدل ضغط الدم بسبب الإعياء الشديد والنقص الحاد في بعض الفيتامينات بسبب سوء التغذية والتقصير في شرب السوائل الكافية للجسم، مما يسبب خللاً في تروية وانتظام الدورة الدموية والجفاف الدائم وبالتالي انخفاض دائم في ضغط الدم والشعور بالخمول والتعب وعدم القدرة على ممارسة أي مجهود عضلي. النقص الشديد في فيتامين دال وبي 12 من الفيتامينات المهمة للجسم في الشعور بالصحة والحيوية، وقد تصاحبه أعراض أخرى مثل آلام غير عادية في العظام، والحساسية الجلدية، وتساقط الشعر والجفاف وتنمل الأطراف.

وتلعب الغدد الصماء (مثل الغدة الدرقية والجار درقية والغدد الكظرية) دوراً مهماً ورئيساً في المحافظة على صحة جسم الإنسان وشعوره بالحيوية لممارسة حياته ونشاطه اليومي، والمساعدة في تحسين وظائف الدورة الدموية، وتعزيز الجهاز المناعي، والمحافظة على ضغط الدم وتنظيم مستوى الأملاح والأنزيمات المساعدة. ومنها على سبيل المثال الغدة الدرقية المسؤولة عن عملية بناء الخلايا وتجددها (الأيض)، لذا فأي قصور، إفراط أو اضطراب يصيبها يؤثر على أجهزة الجسم المختلفة، حيث يصاحبها التعب والخمول المستمر بالإضافة إلى الشعور بالبرودة وتساقط الشعر والزيادة في الوزن وعدم انتظام الدورة الشهرية أو الزيادة في نبضات القلب وفقدان الوزن مع الشعور بالإرهاق العام في حال الفرط في نشاط الغدة الدرقية بسبب الالتهاب المناعي وغيرة.

ومن الأسباب الشائعة أيضاً في عصرنا الحديث، عدم أو قلة ممارسة النشاط البدني والتعود على الكسل والإفراط في النوم والسهر واتباع أساليب الحياة غير الصحيحة مما يؤدي إلى السمنة والأمراض المزمنة مع الشعور بالتعب والخمول المستمر، والإفراط في تناول المنشطات، والمسكنات، والكحوليات والمخدرات بسبب آثارها الجانبية على المخ والأعصاب.

وهناك أسباب نفسية واجتماعية، منها على سبيل المثال، التوتر والقلق الدائم الذي يصاب به الإنسان من شأنه أن يسبب أعراضاً مختلفة مثل التعب المستمر، بسبب الظروف الاجتماعية وضغوطات العمل التي قد يمر بها الإنسان، ومن الأعراض المصاحبة للقلق أيضاً الصداع، والشعور بغصة في الحلق، وأعراض القولون العصبي مثل الإسهال، وآلام في البطن والأرق وخفقان في القلب وغيرها. وقد يصاب الشخص بمرض الاكتئاب المزمن بسبب التراكمات والضغوطات النفسية أو بسبب معاناته من أي مرض من الأمراض المزمنة مثل الشلل والسرطان وغيرها، وأكثر ما يميز هذا المرض أنه يجعل الإنسان يشعر بعدم الرغبة في القيام بأي مجهود أو أي نشاط اعتيادي حيث تصاحبه أعراض أخرى مثل الإحباط واليأس الدائم، والتفكير السلبي، والصعوبة في التركيز وفقدان الشهية واضطراب النوم، وقد تتطور الحالة إلى الشعور بالتعب والضعف والوهن.

وقد يكون هذا التعب مؤشراً لبداية مرض مناعي أو ذاتي في الجهاز العصبي والعضلي أو مرض خفي في مراحله الأولى في الجسم مثل السرطان لا سمح الله في أي عضو من أعضاء الجسم، وأحياناً قد يكون مؤشراً لأمراض عضوية معروفة عند الشخص المصاب مثل ضعف أو تضخم عضلة القلب مع هبوط في كفاءة عضلة القلب، وأمراض الرئة المزمنة أو الفشل الكلوي والكبدي وغيرها، حيث تيصاحبه الشعور بالتعب الشديد وخفقان في القلب عند بذل أي مجهود أو نشاط بدني.

تختلف طرق العلاج حسب الحالة، حيث إن شكوى المريض بهذا العرض بدون سبب معروف مسبقاً يتطلب مراجعة الطبيب للبحث عن الأسباب في حال استمرار الحالة أكثر من أسبوعين أو ثلاثة، وأحياناً قد يحتاج المريض إلى مراجعة المستشفى إذا صاحب هذا الأمر ضيق شديد في التنفس، وأعراض غير عادية وذلك لعمل الفحوصات اللازمة من الفحص الإكلينيكي بعد أخذ التاريخ المرضي مع العلامات الحيوية ومن ثم عمل الفحوصات اللازمة وأخذ العلاج حسب الحالة وشدتها. قد يحتاج المريض العلاج بالأدوية كأي مرض آخر عند اكتشاف السبب مثل النقص في نسبة الحديد أو الفيتامينات حسب الحالة وأحياناً قد يتم تشخيص الحالة بمتلازمة التعب المزمن وهو اضطراب معقد يتميز بالتعب الشديد فترة لا تقل عن 6 شهور ولا يمكن تفسيره بأي حالة طبية كامنة بعد التأكد من أنه لا يوجد سبب عضوي أو نفسي محدد بعد عمل الفحوصات الشاملة، ويزداد التعب بممارسة النشاط البدني أو الذهني ولا يتحسن بالراحة، حيث أثبتت الدراسات أن هذه المتلازمة عبارة عن مجموعة من الآلام في عضلات الجسم قد تستمر لفترة طويلة في نقاط متعدد في نواحي الجسم، الأمر الذي يجعل ممارسة الأنشطة اليومية أمراً صعباً للغاية، ويحتاج الشخص المصاب بهذه الحالة إلى تغيير نمط الحياة والعلاج النفسي والتأهيلي والتدرج في ممارسة الرياضة والعلاج الدوائي لتخفيف الأعراض ومنع تدهور الحالة حسب شدة الحالة مع المتابعة الدورية.

د. زهرة خليفة