قدمت مبادرة «نسيم»، التابعة لجمعية ملتقى الشباب البحريني معرضاً فنياً رائعاً لدعم الأطفال ذوي التوحد، والذي جاء تحت عنوان «ادخل عالمي»، وهو العمل الثاني لنسيم، وهو عبارة عن مشروع يصب جل اهتمامه على فئة الأطفال ذوي التوحد في البحرين بشكل خاص ودول الخليج العربي بشكل عام.
لعل من أبرز ما يهدف إليه المعرض، كما يقول عنه القائمون عليه، هو توعية المجتمع بأهمية الكشف والتشخيص والتدخل المبكر فيما يتعلق باضطراب التوحد لدى الأطفال، وعلى أهمية التوعية بدمج الأطفال ذوي التوحد في المجتمع على جميع الأصعدة وخاصة التعليم، كما يهدف المعرض على التركيز على دور أفراد المجتمع والمسؤولين في الدولة لتقديم الدعم المادي والصحي والمعنوي لأطفال التوحد وذويهم، وكذلك المطالبة بتوعية المجتمع بأبرز أسباب الإصابة بالتوحد، خصوصاً المتعلقة بالجوانب السلوكية للأسرة. لم يعد التوحد لدى الأطفال من الاضطرابات النادرة أو الهامشية اليوم؛ بل أصبح من أشد أنواع الاضطرابات انتشاراً في العالم، حيث بلغت نسبة الزيادة التراكمية منذ العام 2002 حتى الآن نحو 57%، وهنالك ما يقارب 70 مليون طفل في العالم مصاب بالتوحد حتى العام 2014، أي ما يعادل 1% من سكان العالم بحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية.
حين طالبت «نسيم» أهمية دخول عالم أطفال التوحد، فهي تعني أنه يجب على الجميع أن يدخل فيه دون استثناء، ولعل من أبرز من يجب عليه دخول هذا «العالم» هي الدولة بكل مؤسساتها وإمكاناتها ومستوياتها ورجالاتها، فالوضع الخاص بأطفال التوحد بات خطيراً جداً، وهو اليوم يدق ناقوس الخطر على رؤوس كل الأسر بحرينية، إذ إن هذا المرض لن يستثني منا أحداً، فكل الأرقام العالمية تشير إلى أن وصول نسب هذا الإضراب السلوكي في العام 2050 إلى مستويات غير مأمونة، حيث من المتوقع أن يكون من بين ثلاثة أطفال يولدون في العالم، أن يكون واحد منهم مصاباً بالتوحد!
إن اقتصار الدولة على دعم هذه الشريحة من الأطفال من ذوي التوحد بمبلغ زهيد كل شهر، لا يغطي حتى نصف أكلهم أو شربهم الخاص، لا يعتبر دعماً حقيقياً يعالج هذه المشكلة، فأطفال التوحد ليسوا كبقية الأطفال الآخرين، سواء كان ذلك على مستوى الاهتمام الأسري أو على مستوى التعليم والتدريب ومن ثم الاندماج في المجتمع، وحتى في القضايا التي تتعلق بطبيعة طعام هذه الشريحة وبشربها أيضاً. فهذه الفئة يجب أن تنال كامل حقوقها عبر إنشاء مراكز تعليمية مجانية لها، وعدم رمي الجهات المختصة شؤون هذه الشريحة على المراكز والمعاهد التجارية الخاصة بمرض التوحد فقط، خصوصاً إذا ما عرفنا أن الكثير من الأسر التي لديها طفل مصاب بالتوحد هي من الأسر الفقيرة أو «الضعيفة» من الناحية المادية، بينما علاج ومتابعة شؤون طفل التوحد يعتبر مكلفاً للغاية، كما يرى ذلك المراقبون.
إن مسؤولية احترام حقوق أطفال التوحد تقع على رأس الجميع، وستظل الدولة بكل مرافقها هي المسؤول الأول عنهم، وهذا لن يكون أمراً فاعلاً وحيوياً ومنتجاً إلا إذا دخل الجميع هذا العالم، أما التفرج من بعد فإنه يقذف بالحلول على من هم داخل هذا العالم، ونخص بالذكر هنا، الأسر التي يعيش بينها هذا الطفل العبقري المجهول، أو المهتمون بهذه الشريحة من المختصين والجمعيات، وعلى رأسهم «نسيم».
أخيراً، شكراً لنسيم ولكل القائمين على هذه المبادرة الوطنية الإنسانية التي أجبرتنا على دخول عالم التوحد بكل حب وصدق ووفاء، فمازال هناك متسع من الوقت أيها الأحبة لدخول عالمهم الجميل.