لطالما نجد أنفسنا محتارين أمام الموازنة ما بين حكمتين في الحياة، «لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد»، و«كل تأخيرة فيها خيرة»، ففي الكثير من الأحيان نكتشف كبشر أن تأجيل العمل إلى الغد وما بعد الغد يكبدنا خسائر كبيرة، ويتحول الأمر إلى كرة ثلج، تكبر وتزداد مع الأيام، فيما في أمور أخرى أيضاً نكتشف أن تأجيل الأمور وبعض الأعمال وتأخرها تحمل خيرة، كمثل الثمار التي يؤخر قطافها وتأخذ وقتاً لكي تنضج وتصبح جاهزة!!

البطل خليفة رحمه الله محارب السرطان الذي توفي منذ عدة أيام اختصر لنا رحلة الحيرة هذه ما بين الاثنين، لقد كشف لنا برحيله -وقد كان قبلها يتمنى العودة إلى مقاعد المدرسة، وينشد الخروج من المستشفى- أن الخيرة ليست هنا بل التأخير في هذا الأمر، يأتي لكون الجو الخارجي لا يتناسب مع حالته الصحية، حيث أصيب بإنفلونزا زادت من حالته سوءاً.. لقد أراد القدر له شيئاً مختلفاً.. أراد أن يريحه من عناء رحلة العلاج طيلة سنتين تعب فيهما جسده المريض وأنهك بالأدوية!! فيما أكد لنا أيضاً أهمية ألا يؤجل أحدهم عمله إلى الغد فأحد الصحافيين قد وعد أن ينشر مناشدته بإرساله للعلاج إلى مستشفيات السعودية بشكل عاجل يوم الأحد الماضي، وهناك من وعد بأن ينشر المناشدة في مجموعته الإخبارية على البرنامج الهاتفي «واتساب» أو «تويتر» أو «إنستغرام» في أيام لاحقة، غير أن المنية كانت أسرع منهم فوافته قبل النشر، ومن هنا نتعلم أن بعض الأعمال تأجيلها ليس في الصالح العام ولربما إسراعك فيها قد يقلب الموازين ويغير النتائج!

رحمك الله يا خليفة، كنت بطلاً لآخر لحظة من حياتك وأنت تودع العالم من حولك، وألهمت المرضى المبتلين بالمرض نفسه الصبر والشفاء العاجل، كنا نمني أنفسنا بلقائك لولا الظروف التي جعلتنا نؤجل زيارتك إلى وقت آخر، فرحلت قبل أن نراك وقبل أن يتكرم القدر علينا فيعرفنا بك ونستلهم قصة كفاحك، رغم أنك طفل صغير لم تتجاوز الثالثة عشرة من عمرك، لكنك حتى برحيلك كنت ملهماً لمن التقاك ولمن لم يلتقك! منحت درساً لجميع من علم بأمر قصتك وتقاعس عن نشر مناشدتك ومتابعة حالتك الصحية، بعض الأمور إما أن تؤدى في وقتها أو لا قيمة لها بعد ذلك نهائياً، ما قيمة نشر مناشدة رحل بطلها؟

الحياة لا تنتظر أحداً، رحيلك جدد فينا هذه الحكمة وجعلنا نستلهمها في داخلنا بطريقة أخرى ونتأملها من زاوية مختلفة ونحن نستقبل خبر رحيلك، فعلاً الحياة لا تنتظر أحداً، إن أخطأت بحق أحدهم يوماً قدم له الاعتذار فوراً، فما يدريك أن يظل هذا الإنسان موجوداً إلى يوم غد؟ وإن أردت أن تفعل شيئاً لأحدهم افعله الآن فأنت في سباق دائم مع الوقت وما ضمانتك أن يوم الغد الظروف ستكون متاحة مثلما هي عليه اليوم لكي تقوم به؟

الحياة مستمرة بك أو بدونك، هذه حكمة الله في الدنيا، كثير من المرضى يقرر أحدهم زيارته فيؤجل الزيارة إلى يوم آخر ثم يكتشف أن تأجيله قد حرمه منه للأبد، فقد رحل هذا «المريض» عن الحياة! تقول إحداهن: سمعت أنه مريض لكن حالته مستقرة فقررت تأجيل الزيارة إلى يوم آخر، في اليوم التالي وأنا أذكر لإحداهن أنني سأذهب إليه جاءني خبر وفاته! انتكست حالته الصحية في المساء وتعب كثيراً وفجأة رحل! رحل وهو يعلم بأنني لم أزره وقصرت معه بالسؤال والواجب!

الحياة لن تنتظرك وهي تسير في ساعاتها وأيامها، تأجيل بعض الأمور قد يؤدي إلى كوارث فعلاً، وتأخير وتعطيل بعض الأمور من الممكن أن يؤدي إلى فقدان أحدهم من حياتك وللأبد!

* إحساس عابر:

أقام مخيم «القرش» الأسبوع الماضي تجمعاً لعائلة المقهوي ومنتسبيها في احتفال بمناسبة مرور ذكرى الميثاق الوطني، وقد أقيم احتفال كبير حضره أكثر من 200 شخص مع عائلاتهم وأطفالهم، وقد تكفل أحد المحلات التجارية برعاية الحفل وتوزيع الجوائز التي بلغت قيمتها ما يفوق الألف دينار على الحضور، وقد حرصوا على أن يكون الاحتفال اجتماعياً وترفيهي الطابع وبنفس الوقت وطنياً يزرع القيم الوطنية ويؤكد الولاء والطاعة للقيادة، خاصة لدى الجيل الناشئ من الأطفال، الاحتفال كان للجميع والدعوة عامة لأصحاب المخيمات المجاورة لإحضار أطفالهم وإشراكهم في هذا التجمع الوطني الجميل، تلك مبادرة جديدة العهد في موسم التخييم ودأب نتمنى أن يستمر وتنتشر ثقافته بين عموم العائلات والمواطنين البحرينيين، فعادة ما تبادر الشركات أو مؤسسات الدولة بتنظيم احتفال كبير أو تجمع سنوي لموظفيها ومنتسبيها خلال موسم التخييم، فمسألة أن تبادر عائلة باستغلال هذا الموسم الجميل في إيجاد برامج ترفيهية للعائلات والأطفال وبنفس الوقت إضفاء الطابع الوطني ودفع الأطفال للتعبير عن حبهم للوطن بارتداء الزي الوطني، وترديد الأغاني الوطنية، ورفع الأعلام وصور القيادة، يدعم أجمل صور التلاحم الوطني وحراك المجتمع المدني بالدولة.