نواصل في الجزء الثاني من المقال حديثنا عن تناقضات خطاب أمير قطر الأخير، والذي لم يحمل جديداً ذا قيمة للمواطن العربي حيث لغة المكابرة والإنكار وادعاء البراءة والتشكيك في الأدلة التي قدمتها الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، تلك النقاط تصدرت الخطاب، وتلك مصيبة!

مصيبة أن يأتي رد سياسي إنشائي بهذه الطريقة من رأس القيادة القطرية وهو أميرها، على أدلة واقعية ومكالمات مسجلة ومستندات وحسابات بنكية وغيرها من دلائل، الأولى مقارعة الحجة بالحجة والحقيقة بحقائق أخرى لا الرد على الحجة بكلام يمثل مجرد وجهة نظر قد يستنتجها شخص عادي لا يملك خلفية حقيقية عن الأزمة الخليجية وقد تصيب وقد تخطئ!

يقول أمير قطر في مطلع خطابه «أخاطبكم خطاب العقل والوجدان»، غير أننا لم نجد في تتمة كلامه إلا كلام الوجدان لشعبه والبعيد عن العقل والمنطق، فدول تقدم لك أدلة دامغة على تورطكم في حروب طائفية وإرهابية من الأولى أن تكون لغة العقل هي السائدة في الرد بدلاً من الكلام العاطفي الدرامي!

كما قال «نتحدث بعقلانية لتقييم المرحلة التي نمر بها»، في حين من يتمحص الواقع جيداً ويرى حجم المراهقة السياسية التي تلعبها قطر دون مراعاة تبعاتها على شعبها ونتائج هذه الحماقة المدمرة على اقتصاد وتنمية قطر بل ورميها في الحضن الإيراني والتركي يدرك أنه لا عقلانية تراعي عروبة قطر وواقعها الخليجي بل لايزال تنظيم الحمدين طائراً في غفوة الأوهام!

يقول أمير قطر «جميعاً تأثرنا بروح التضامن والتآلف والتحدي التي سادت وخيبت آمال الذين راهنوا على عكسها لجهل بطبيعة مجتمعنا وشعبنا»، نعم والدليل على الكلام الإنشائي هذا على أرض الواقع استنجاده بالقوات التركية والإيرانية إدراكاً منه «لربما» إلى جانب إدراكه لفهم الدول الداعية لمكافحة الإرهاب «لربما أيضاً» لطبيعة مجتمعه وشعبه الذي له امتداداته العائلية داخل المجتمع الخليجي وتوجسه من عدم تقبل انسلاخهم عن محيطهم الخليجي العربي بالذات ورفضهم التحالف مع إيران!

مما جاء في خطاب أمير قطر أيضاً المطالبة باحترام سيادة قطر، والسؤال هنا، من تدخل في سيادتكم؟ بالأصل من يتدخل في سيادة من؟ أنتم أسستم وتدعمون قناة إعلامية تحريضية تتدخل في سيادة دولنا وتزعزع الأمن بل تعتبر سنداً إعلامياً للخلايا الإرهابية التي تمولونها لأجل إحداث الثورات العربية التي تمس سيادة وأمن واستقرار الدول العربية وإن كنتم تطالبون بأن نحترم سيادتكم -وبالأصل دولنا تحترم ذلك- فأنتم كونوا قدوة لنا في هذا الاحترام باحترام قرارات دولنا في المقاطعة وإغلاق الحدود من باب سيادة دولنا أيضاً! «حلال عليكم حرام علينا؟»، وأوقفوا كذبكم على العالم وتباكيكم بأن «هناك حصاراً»!

أما عن كلمة «محاولة فرض الوصاية على هذا البلد وخطورة الخضوع للغة التحريض والتهديد والإملاءات» فهل يقصد أمير قطر أنه يرى مطالب وقف تمويل الإرهاب فرض وصاية؟ هل يفسر طلب قطع علاقات قطر مع كافة التنظيمات الإرهابية ضمن التوجه العالمي ومواثيق الأمم المتحدة التي تدعو إلى تجفيف منابع الإرهاب لغة تحريض وتهديد؟ هل يستنتج أنه يرى أن اتفاقية الرياض التي وقعها بيده ولم يلتزم بها إملاءات؟ طالما إملاءات لم وقعتها من الأساس؟ «هل هذه من الشيم والوفاء بالعهود؟ ألا نعلم أبناءنا منذ الصغر أن الوشاية والكذب هما رذيلتان من أسوأ الرذائل؟ أليس التشهير وتلطيخ سمعة الآخرين والادعاء بأنهم يقومون بالتهديد والتحريض جريمة يحاسب عليها القانون في جميع الدول المتحضرة؟».

أما عندما قال «إن المؤسسات الغربية السياسية والمدنية والإعلامية ترفض الإملاءات مثلما نرفضها» نعم والدليل حجم تمويلكم لبعضها خاصة دكاكين حقوق الإنسان التي تهاجم البحرين والسعودية والإمارات ليل نهار!

أما قوله «التحكم بعلاقاتنا الخارجية وتحديد استقلالية سياستنا»، فهذا اعتراف مبطن أنهم يجدون علاقاتهم بالنظام الإيراني والتركي أهم من علاقاتهم بدول الخليج العربي وأنهم يرون أنه لا مانع أن تكون سياستهم وسياسة هذه الدول متقاربة أو واحدة! وعليه فإن كان الأمر كذلك واخترتم الانصهار عن خليجكم العربي فلم التباكي والتدخل في إجراءات دول المقاطعة ومحاولة فرض مطالب والسعي للضغط عليها دولياً بإنهائها؟ إن كان الخليج العربي برمته لا يهمكم فلم الازدواجية هذه في البكاء على اللبن المسكوب؟

أشار أمير قطر إلى وجود «خلافات مع بعض دول مجلس التعاون بشأن السياسة الخارجية المستقلة التي تنتهجها قطر» وهذه الكلمات دليل دامغ على مدى تورط قطر مع النظام الإيراني بسياسات الفوضى والتخريب والإرهاب التي قاموا بها في المحيط الخليجي والعربي، والسؤال هنا هل الخلافات تأتي بناء على استقبال عناصر الحرس الثوري الإيراني في قطر والسعي لتأسيس قاعدة إيرانية أو تركية؟ أم بسبب العلاقات القطرية الإسرائيلية؟ أم بسبب تمويل ودعم الحوثي الذي يطمح إلى اقتحام أطهر بقاع العالم مكة المكرمة؟

أما قوله «ونحن أيضاً بدورنا لا نتفق مع السياسة الخارجية لبعض الدول الأعضاء في مجلس التعاون «دليل آخر يؤكد ما خرج به وزير الدفاع القطري من أن مشاركتهم في عاصفة الحزم كانت إجبارية ولم تكن هناك رغبة من قطر في المشاركة!».

وللحديث بقية.