هل كانت الساحة السياسية والخليجية تحتاج لمنتدى «قطر عراب الفوضى والأزمات في الشرق الأوسط» والذي نظمه مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات» في نسخته الأولى مؤخراً بحضور نخبة من السياسيين والإعلاميين والخبراء؟ هل جاء هذا المنتدى في وقته أو متأخراً؟ وما الإضافة التي من الممكن أن تقدمها مثل هذه المنتديات خاصة أمام قضية لاتزال كثير من شرائح المجتمع الخليجي قد تكون بعيدة عن تفاصيل تفاصيلها ومستجداتها اليومية أو ليس لها إلمام شامل بالقضية وأبعادها.

كان من الواضح أن المنتدى «ضربة معلم» أوجع خفافيش الإنترنت لدى تنظيم الحمدين قطر، كما من خلال أطروحاتهم لمن يتابعها، كان واضحاً أنه شكل مفاجأة لم يتوقعوها لذا قابلوها بضعف ومهاجمة ومحاولات تضليل الموضوع وتحريفه إلى قضايا أخرى تندرج تحت مسمى قضايا محلية ذات شأن معيشي بحت خاص بالبحرينيين، وعندما نقول مفاجأة فإننا نقصد أنهم لم يتوقعوا أن يكون الطرح بهذه الدرجة العالية من الشفافية والجرأة والرغبة في المكاشفة وحصر ماذا فعلت قطر بحق الخليج العربي والعرب.

كنا يومها نتابع ردود الأفعال من جانب إعلام تنظيم الحمدين على موقعي التواصل الاجتماعي «تويتر» و«الإنستغرام»، كان من الواضح أن هناك من لم تكن لديه فكرة بالأصل عن المنتدى وهناك من لاحظ أن الخطاب الإعلامي المعد للرد خطاب طفولي يتعمد السخرية والتقليل من الشأن، وتلك حيلة من ليس لديه قوة مقارعة الحجج بالحجج والبراهين، وكان لا يوجد استعداد للتعامل الإعلامي مع حملة «قطر عراب الفوضى»، والأكثر وضوحاً كان لدى المغردين والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي أن هناك «ربكة» جارية في صفوفهم، فندوة واحدة استحضرت حقائق بلغة الأرقام والوثائق مقابل الكثير من الندوات والمؤتمرات والمحاضرات، وحتى الكتب والنشرات التي تصدر بشكل شبه يومي من إعلام تنظيم الحمدين، فهم لم يتوقعوا أن ندوة واحدة تجمع فيها معظم الدول العربية التي عانت من ويلات إرهاب قطر من الممكن أن تنسف عمل شهور طويلة متواصلة من الكذب والخداع، والأهم تنظيم الحمدين قطر لم يتوقع أن تتوقف دول الخليج العربي عن منهجية الصمت وعدم التعليق وعدم الرغبة بكشف الحقائق العدائية لقطر تحت مجهر الإعلام من باب أسباب عديدة أهمها مراعاة المصلحة العامة وعدم شق الوحدة الخليجية، والتي قابلتها قطر بمزيد من التعنت والفوضى والاستغلال لهذا الصمت.

يبدو أن تنظيم الحمدين قطر لايزال متأخراً عن مواكبة مستجدات السياسة الخليجية، ولم يستوعب درس أن المرحلة القادمة هي مرحلة تسمية الأمور بمسمياتها الصحيحة ومرحلة المواجهة والتعامل الحازم والمكاشفات الإعلامية الصريحة التي تتكلم بلغة الأرقام والمعلومات والحقائق والوثائق والأسماء الصريحة للدول الحاضنة للإرهاب والتي أعلن عنها وزير خارجية الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان خلال منتدى مغردون 2017 بالرياض، ترى هل قطر لاتزال نائمة في عسل الأوهام وتتوهم أن الدول الخليجية والعربية ستستمر في منهجية الصمت وعدم الرد مثلاً أو ستترك لها الساحة الإعلامية والإلكترونية كما فعلت في مرحلة ما؟

المنتدى فاجأنا باستحضار تاريخ من المكائد التاريخية التي قامت بها قطر نحو مملكة البحرين وتونس ومصر وليبيا والإمارات واليمن والسعودية. لو تكلمنا عن جزئية مكائد ومشاريع قطر التدميرية للبحرين يا ترى كم بحرينياً من الجيل الناشئ لديه معلومات عما قامت به قطر من عدوان عسكري لجزر حوار وفشت الديبل والمياه الإقليمية للبحرين؟ كم بحرينياً لديه إلمام شامل بأبعاد ما كانت تقوم به قطر من تجنيس البحرينيين من العائلات العربية وبالذات من العاملين في القطاعات العسكرية والأمنية والمراكز الحساسة وذلك لأجل إخلاء المواقع العسكرية البحرينية من الكوادر والطاقات البحرينية؟ كم بحرينياً يفقه أن المزايا والعروض الوظيفية التي كانت تقدمها قطر للبحرينيين خاصة الشباب وشراء ذممهم تأتي لأجل إكمال مشوار من تاريخ طويل من العداء للبحرين ونظامها الحاكم وشعبها العربي الحر؟ كم بحرينياً يفقه تاريخ «جزيرة البحرين وتوابعها» وحدود البحرين التي اقتطعتها قطر وتاريخ آل خليفة في شبه جزيرة قطر؟ بل كم بحرينياً فطن إلى أن مسلسل العزف على وتر الأفلام الوثائقية المتخصصة التي تستعرض مواضيع حساسة لدى المجتمع البحريني كالأمور المعيشية والعلاقات بين السنة والشيعة ليس «لخاطر وعيون البحريني» إنما لأجل خاطر وعيون مشاريع قطر التدميرية والتآمرية على البحرين؟! كم بحرينياً يقدر على أن يربط أن تمويل قطر للجماعات الإرهابية في البحرين يأتي كجزء من مشروع قطر في حكم العالم العربي وإقامة الدولة الإسلامية القطرية التي يحكمها عزمي بشارة والقرضاوي وتنظيم الحمدين؟ كم بحرينياً يستوعب أن مسلسل التجسس العسكري على مملكة البحرين يأتي لأجل إكمال مسلسل العدوان العسكري الذي سبق وأن قامت به على فشت الديبل عام 1986؟ مثل هذه الندوات مهمة لأنها تظهر الصورة المكتملة عما كان خافياً ومجهولاً عند الكثيرين.

الرأي العام البحريني والخليجي يحتاج لفهم واستيعاب ما بين سطور المقاطعة، وأن يضع النقاط على الحروف فيما يخص الأزمة القطرية، وأنها ليست أزمة مفتعلة أو أزمة تعود إلى اختلاف في وجهات النظر حول سياسات معينة كما يحاول إعلام تنظيم الحمدين الخائب «الترقيع» والمراوغة والتزييف، إنما يأتي بعد صبر وحلم طويل من اللين والتسامح والتغاضي لأجل حفظ العلاقات الأخوية الخليجية «عل وعسى تنكسر العين»، لكن للأسف «الوجه متين وقوي»، اليوم الرأي الإعلامي البحريني والخليجي يحتاج لمثل هذه الندوات الهامة التي تملأ الفراغ الحاصل بالساحة أمام مسلسل ردح إعلامي طويل من قبل إعلام تنظيم الحمدين بدأ مع قناة «الجزيرة» غير الحيادية وقنوات التواصل الاجتماعي التي أطلقها وسلسلة ندوات ومحاضرات ومؤتمرات لم تتوقف عنها قطر، هناك حاجة ملحة لملء الفراغ الحاصل وتزويد الشعوب بهذه الحقائق من خلال رفع درجة المكاشفة والتكلم بمنتهى الصراحة والوضوح وإنهاء ظاهرة «الصندوق الأسود» والعمل على لملمة الموضوع من خلف الكواليس وبعيداً عن الأضواء، فتنظيم الحمدين قطر استغل هذه السياسة ليتفرعن أكثر.

منتدى «قطر عراب الفوضى والأزمات في الشرق الأوسط» أوجد إضافة معلوماتية وتاريخية وثقافية لمن أراد أن يرى الصورة كاملة عن قطر لا أن يرى جزءاً منها.