أعترف بأنه لم يكن لدي وعي زراعي البتة، فلقد تعلمت أن الزراعة صعبة في مملكة البحرين نظراً لشح الماء والأراضي الخصبة الزراعية، مما جعلني أعيش في واقع مغلوط صححته لي «ليزا»، وليزا هي إحدى المدبرات المنزليات اللاتي كن يعشقن الزراعة، فعندما لاحظت ليزا أن فناء منزلي يخلو من الزراعة اقترحت علي أن أبدأ في زراعة بعض المنتجات التي نستهلكها يومياً، فمنعتها مبينة لها الأسباب المغلوطة التي كنت أؤمن بها، أذكر حينها أنها قالت لي إنها ستتكفل بجميع الأمور، وأنها لا تحتاج إلا لمباركتي لبدء الزراعة في مساحة معينة في الفناء الخارجي للمنزل. ونزولاً عند رغبتها وإلحاحها وافقت، فمن ذا الذي لا يعشق أن يكون له فناء أخضر، ويتناول خضروات صحية طازجة من إنتاج حديقته. وبالفعل بدأت ليزا رحلة الزراعة التي لم تتكلف الكثير حيث إنها كانت تمزج بعضاً من الأسمدة زاهدة الثمن، وحفاظاً على الماء كانت تعيد استخدام الماء عبر تحويل بسيط في بعض توصيلات التصريف لمياه الاستحمام في المنزل واستخدام نظام الري بالتقطير، وبالفعل أصبح لدينا حديقة صغيرة رائعة أطلقنا عليها اسم «حديقة ليزا» وتضم هذه الحديقة العديد من النخل بالإضافة إلى بعض المنتجات كالطماطم والريحان والخيار، والصبار الهندي، والتوت، واللوز، والمشموم والرازجي وغيرها.

ومع أن ليزا غادرت البحرين منذ زمن إلا أننا مازلنا نسمي الحديقة باسمها، فهي صاحبة الفضل بعد الله في عمل هذه الحديقة. واليوم وأنا أرى بلدي البحرين الغالي يضم معرض البحرين الدولي للحدائق الذي تنظمه المبادرة الوطنية لتنمية القطاع الزراعي وترعاه صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة حضرة صاحب الجلالة عاهل البلاد المفدى، هذا المعرض الذي يضم العديد من أصحاب الخبرات والعديد من العارضين من مختلف الدول، بالإضافة إلى مشاركة العديد من الجهات الحكومية والخاصة والتعليمية من أجل تعزيز ثقافة أهمية الزراعة وأهمية الاستثمار فيها.

فعندما يتجول الفرد في هذا المعرض الزراعي الرائد، تتبدل قناعاته حول أهمية الزراعة بالإضافة إلى تعلمه أساليب مختلفة للزراعة في أي مساحة كانت وباستخدام أسهل وأبسط الأمور.

كلنا دونما استثناء قلقون جراء الأمن الغذائي، وكلنا دونما استثناء أيضاً نسعى إلى تناول طعام صحي، وأعتقد أن جزءاً من الحل يكمن في الزراعة الذاتية أي أن يزرع كل شخص بعض الأنواع من الخضروات والفاكهة في منزله، حتى هؤلاء الذين لا يملكون مساحات خارجية فبإمكانهم القيام بذلك عبر زيارة هذا المعرض الزراعي الذي يعرض العديد من التجارب للزراعة داخل البيت أو في مساحات صغيرة ومحدودة.

كما يشجع هذا المعرض أيضاً على الاستثمار في المجال الزراعي ولا غرابة مطلقاً في أن أرى زميلي الكاتب الصحافي هشام الزياني يخوض الاستثمار في المجال الزراعي عبر مزرعته الرائدة ذات الإنتاج المتنوع والذي أطلق عليها اسم «مزرعة عبدالوهاب» تيمناً بوالده رحمه الله، والتي تعتبر إحدى المزارع الرائعة التي تحتوي على العديد من المحاصيل الزراعية ذات الجودة العالية والأسعار المنطقية.

ولهؤلاء الذين يرغبون في الاستثمار في هذا المجال الرائد أقول إن الدولة لا تألو جهداً في دعم الاستثمار في الزراعة عبر دعم منح الأراضي الزراعية أو دعم الماء وغيرها من الأمور المشجعة لأي شخص يرغب في الاستثمار الزراعي.

نهضة زراعية محلية باتت واضحة للعيان تتمثل في دخول المزارع البحريني سوق المنافسة على المنتجات الزراعية المحلية ذات الجودة العالية والسعر المعقول، وأسواق زراعية تفتح أبوابها للمواطنين والمقيمين وتقدم لهم ما لذ وطاب من المنتجات الزراعية المحلية. كل هذه الجهود بفضل من الله ثم صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة رئيسة المجلس الأعلى للمرأة، رئيسة المجلس الاستشاري للمبادرة الوطنية لتنمية القطاع الزراعي، قرينة حضرة صاحب الجلالة عاهل البلاد المفدى، التي أخذت على عاتق سموها تعزيز الثقافة الزراعية عند المواطن البحريني، بالإضافة إلى دعم المستثمرين في هذا المجال الحيوي والهام.

أتمنى أن يستمر معرض البحرين للحدائق لما له من أثر دولي ومحلي على واقع الزراعة في مملكة البحرين، كما أتمنى أن يتم دعم جميع المبادرات الرامية إلى دعم المنتجات الزراعية المحلية لضمان الاستدامة في هذا القطاع.