خلال أحد أيام العيد الماضي امتد الطابور والازدحام في منطقة الرفاع من فترة الظهيرة حتى منتصف الليل!! من يمر بالشارع ويرى كيف كان الناس واقفين يخيل إليه أن المحل الذي يقفون عنده يوزع الحلويات والشوكولاتة بالمجان!! أما عند مواقف المحل فمن المحال أن تحصل على موقف لسيارتك.

كل ما في الحكاية أن هناك بلوجر بحرينية تدعى «وين وبكم ؟» وهي من أقوى البلوجر الموجودين في الساحة حالياً ونقصد بالبلوجر للقارئ البعيد عن فهم هذا العالم، والمصطلحات هي مدونة على مواقع التواصل الاجتماعي تقوم بتدوين بعض الكتابات أو استعراض بعض المواضيع أو القضايا أو الترويج للمنتجات والأطعمة، وغالباً ما يلصق بمن يقومون بالترويج لذلك مقابل مبلغ من المال «فاشينيستا».

والحق يقال، إنني لا أتابع «الفاشينيستا»، لأنني وبدون مبالغة أشعر أن الغالبية يروجون لبضائع ومنتجات الطابع التجاري لها يغلب على جودة المنتج ومدى فعاليته، لكني أتابع البلوجر «وين وبكم» لعدة أسباب أهمها: حسابها «وين وبكم» المقصود به استعراض أحدث المنتجات والمطاعم والمحلات الجديدة التي تفتح في مملكة البحرين، وهذا معنى الجزء الأول من الحساب «وين»، أما المعنى الثاني للحساب «وبكم» فإنها تهتم باستعراض الأسعار مع الحرص على إيجاد عروض خاصة ومخفضة لمتابعيها.

وكلامنا لا يعني أن جميع ما يستعرضه هذا الحساب من المنتجات والبضائع والمواد ذات الجودة العالية وجميعها فوق الممتازة، فالأذواق والاهتمامات تختلف كما تختلف القوة الشرائية بين الأفراد، لكن هذا الحساب يحرص على التوازن وتلبية جميع الأذواق، إلى جانب مراعاة جميع الإمكانيات المادية وخصوصاً للمواطن البحريني.

كما أن «أمينة» صاحبة الحساب فتاة بحرينية طموحة، لم تبحث عن العمل بل أوجدت لها عملاً خاصاً يدر عليها ربحاً، ولم تسخط على الدولة لأنها لم تحصل على وظيفة، ولم تعمد إلى اللجوء إلى جهات مشبوهة أو تتطاول بنقدها على رموز وقيادات البحرين، بل إنها ببساطة واكبت الموجة الحاصلة في مواقع التواصل الاجتماعي «واستغلتها» ولكن بنمط محترم وأسلوب راقٍ يعكس طبيعة المجتمع البحريني المحب البسيط المتسامح الذي لا فرق فيه بين سني أو شيعي، لتمثل البنت البحرينية في هذا المجال بعاداتها وتقاليدها، لذا يشعر العديد أنها قريبة منهم، عكس بعض «الفاشينيستات» التي تتعمد الظهور بنمط غربي عصري مبتذل لا يعكس واقع فتيات مجتمعها.

أمينة أثناء تصوير المنتجات وعرضها بأسعار حصرية لا يظهر منها شيء، لا شكلها ولا هيئتها ولا حتى صوتها، ونادراً جداً ما تسمعها تتكلم، فهي تقول كلمة واحدة تشتهر بها «هكا هو المحل!»، مما يعكس أنها مهتمة بتخصصها في مجال الترويج للمبيعات أكثر مما تفعله الأخريات ممن هن مثلها في نفس المجال باستعراضات جسدية رخيصة، كما أنها تهتم بتقديم محتوى هادف إن توافر لها الوقت من خلال استعراض اقتباسات لحكم أو أمثال أو أدعية وآيات قرآنية أو أبيات شعرية أو فتح مواضيع نقاشية أو طرح أسئلة على المتابعين، وغالباً ما يكون الهدف التثقيف والتوعية، بمعنى هي لم تلجأ للابتذال وجذب الناس من خلال استعراض جسدها كما يفعل المعظم، ولم تلجأ لتقديم محتويات فارغة بلا مضمون ومواضيع القصد منها الإثارة على حساب الفائدة لأجل أن يزداد عدد متابعيها بلا هدف، لذا فكثير من المواطنين على اختلاف مذاهبهم وتنوعاتهم، إلى جانب أولياء الأمور والأمهات، يتابعونها ويهتمون بما تقدمه، بمعنى أن الحساب بات حساباً عائلياً بخلاف ما نجده في الحسابات الأخرى حيث معظم المتفاعلين من المراهقين والأطفال ومن أصحاب التعليقات الخاوية أو من توجه معين.

الأهم من هذا كله، أنه على مستوى مملكة البحرين «وين وبكم ؟» أوجدت مساحة محترمة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتكاد «الفاشينيستا» البحرينية الوحيدة التي تظهر بهذا النمط في عالم كثرت فيه محتويات الصور ومقاطع الفيديو الاستعراضية على حساب المضمون أو حتى المنتج الذي يتم الإعلان عنه، فهي لم تعد تستقطب الزبون البحريني فحسب بل حتى الخليجي، وبشكل غير مباشر يعتبر حسابها من القوى الناعمة التي تؤكد أمن واستقرار مملكة البحرين، فهي في اليوم الواحد تتجول بين مناطق البحرين وتقوم بتصوير العديد من المواقع والأماكن والمحلات التجارية، إلى جانب أنها بين فترة وأخرى تعرج على المجمعات والأماكن السياحية، مما عمل على الترويج عن سياحة البحرين ووفر على السائح الخليجي عناء الاستفسار والاستفهام عن الكثير من المواقع أو المحلات التي عادة ما تشتهر فيها البحرين، وخصوصاً محلات الحلويات والملابس والمجوهرات، وبشكل غير مباشر حسابها يرد على الشائعات التي تطلق بين فترة وأخرى عن انهيار الاقتصاد البحريني وسقوط العملة البحرينية ووجود اضطرابات أمنية، وغيرها من حملات مغرضة.

لذا، لو عدنا إلى ما بدأنا به موضوعنا هذا، فإن سبب الازدحام الذي كان حاصلاً عند أحد محلات الحلويات في منطقة الرفاع، هو أن هذا المحل قدم عرضاً خاصاً خلال فترة العيد، مما يعني أن مثل هذه الحسابات باتت تسحب البساط من تحت أكبر شركات الإعلانات، ففور ما يقوم الحساب بالإعلان عن محل أو مطعم أو منتج، نجد بعدها بعدة ساعات تحدث الازدحامات وتنفد الكمية بالكامل ويحدث الإقبال الكبير الذي ينعش مبيعات أصحاب المحلات، مما يرد بالنهاية على انتعاش اقتصاد مملكة البحرين ككل وينشط السياحة الداخلية النظيفة. شكراً عزيزتي البلوجر أمينة، فحتى وإن كان غرض الحساب تجارياً إلا أنه استطاع أن يوجد بصمة لا تتكرر عن حسابات سقطت وانتهت وتحولت إلى ساحات تجمع المراهقين والسطحيين ولم تعد مؤثرة في الساحة.