حسن الستري


في ردها على إلزام صاحب العمل بمراجعة سجلات الوزارة قبل التوظيف

أغلب مهن الأجانب متدنية الأجر.. ويعزف عنها البحرينيون


لصاحب العمل الحق في اختيار العامل.. والأصل في العقوبة معقوليتها

حرية التعاقد قاعدة أساسية يقتضيها الدستور صوناً للحرية الشخصية

الخطة الوطنية لسوق العمل تخفض فارق التكلفة بين توظيف البحريني والأجنبي

أكدت الحكومة أن المشروع النيابي بقانون، المتضمن إلزام صاحب العمل بالرجوع إلى سجلات الباحثين عن العمل وإعطاء الأولوية للبحريني، ما هو إلا تأكيد لما هو قائم بالفعل، كما أنه لا يتواءم مع الحق في حرية العمل، ويتسم النص المقترح بالغموض وعدم تناسب العقوبة المقررة فيه.

وطبقا للمشروع، تضاف مادتان جديدتان برقمي مادة (9) مكرراً و(183) مكرراً إلى قانون العمل في القطاع الأهلي الصادر بالقانون رقم (36) لسنة 2012 نصاهما الآتيان:

المادة (9) مكرراً:

«مع مراعاة أحكام المادة (9) من هذا القانون يجب على كل صاحب عمل يرغب في توظيف عامل الرجوع إلى الوزارة ومراجعة السجلات الخاصة بالباحثين عن العمل، وتكون الأولوية في التوظيف للبحريني الحاصل على المؤهلات والخبرة اللازمة».

المادة (183) مكرراً:

«يعاقب بالغرامة التي لا تقل عن ألف دينار ولا تجاوز ثلاثة آلاف دينار كل صاحب عمل أو من يمثله خالف حكم المادة (9) مكرراً من هذا القانون».

وأوضحت الحكومة أنه لا شك بأن غاية المشرع في سن تشريع جديد يقرر بموجبه أحكاماً جديدة، تكون لمصلحة يقدرها، لا ليؤكد ما هو قائم بالفعل، وبالتالي يتعين أن يكون مشروع القانون المقترح قد أتى بجديد، وإذ تخلص الغاية من مشروع القانون الماثل في إعطاء المواطن البحريني الأولوية في التوظيف بالقطاع الخاص وتوفير فرص عمل للمواطنين، وهذا ما أكدت عليه المادة (13) فقرة (ب) من دستور مملكة البحرين من كفالة الدولة توفير فرص العمل للمواطنين بشروط عادلة، وكانت الأهداف التي يصبو إليها مشروع القانون متحققة بالفعل من خلال الآتي:

1- تعتمد السياسات الحكومية في توفير فرص العمل للمواطنين على قدرة المملكة على جذب الاستثمارات الخارجية وإقامة المشروعات الكبرى، وذلك يتطلب انفتاح سوق العمل البحريني ومواكبته للتغيرات العالمية، وأن تكون البيئة المنظمة جاذبة من الناحية التشريعية والتنظيمية من خلال التسهيلات الممنوحة.

2- تعتمد الحكومة على وضع سياسات تجعل الكفة تميل لصالح البحريني، من خلال توفير برامج دعم الأجور التي تزيد من مستوى الحوافز لأصحاب الأعمال، حيث يحصل العامل البحريني على دعم يصل إلى 70% عن السنة الأولى، و50% عن السنة الثانية و30% عن السنة الأخيرة، ويشمل ذلك جميع العمالة الوطنية من حملة جميع المؤهلات، وكذلك تحديد مقدار الرسوم المفروضة على تشغيل العمالة الأجنبية، حيث تؤول 80% من إجمالي هذه الرسوم لصندوق العمل تمكين، الذي يوظفها في تمكين العمال البحرينيين في القطاع الخاص وخلق فرص العمل لهم، كما أن هذا السياسة تضمنتها الخطة الوطنية لسوق العمل للأعوام (2023 - 2026).

الهدف الأول: خلق فرص عمل نوعية للمواطنين لجعلهم الخيار الأفضل للتوظيف، وخفض فارق التكلفة بين توظيف البحريني والأجنبي، والصادر بشأنها قرار مجلس الوزراء الموقر رقم (03 - 2709) الصادر بجلسته رقم (2709) المنعقدة بتاريخ 26 يونيو 2023 بشأن الموافقة على الخطة الوطنية لسوق العمل.

3- انتهجت الحكومة عبر وزارة العمل وصندوق العمل (تمكين) عدة مبادرات وإجراءات لمعالجة فجوة المهارة ورفع مستوى تأهيل وتدريب البحريني ضمن حزمة برامج تُقدم مجاناً للباحثين عن عمل، بما يتوافق مع احتياجات أصحاب العمل، وبما يسرع من دمجهم في سوق العمل، من أهمها برنامج تنمية الكوادر التقنية وتدريب الباحثين عن عمل في بوليتكنيك البحرين، وبرنامج التدريب على رأس العمل (فرص)، وبرنامج التدريب مع ضمان التوظيف (ضمان) وتدريب وإعادة تأهيل الباحثين عن عمل بالتنسيق مع المعاهد التدريبية (تمهيد)، وساهمت هذه الإجراءات في تعزيز أفضلية البحريني في التوظيف.

4- تعمل الحكومة على توفير فرص عمل لائقة للعمالة الوطنية في منشآت القطاع الأهلي، وذلك من خلال مجموعة من الإجراءات التي تسهم في هذا الشأن، ومنها على سبيل المثال:

* فرض نسبة بحرنة معينة على كل قطاع من القطاعات الاقتصادية عند طلب استقدام عمالة أجنبية.

* عدم السماح للمنشآت غير الملتزمة من المنافسة على المناقصات الحكومية.

* تنفيذ مشاريع ومبادرات وتقديم حوافز لتشجيع أصحاب العمل عبر وزارة العمل وصندوق العمل (تمكين) لضمان أفضلية البحريني في التوظيف.

* وجدير بالذكر أن أغلب المهن التي يشغلها العمال الأجانب هي مهن غير احترافية ومتدنية الأجر، ولا تتطلب مهارة نوعية لشغلها، وأن تلك المهن تواجه عزوفاً من قبل العمالة الوطنية على شغلها لأسباب يعود بعضها إلى تدني الأجر فيها والآخر إلى نوعية وطبيعة هذه الوظائف.

ومما تقدم فإن الأهداف التي يرمي إليها مشروع القانون «بحسب مذكرة الحكومة» قد تحققت في أداة أدنى من القانون من خلال المبادرات وبرامج التوظيف التي تطلقها الحكومة عبر وزارة العمل وصندوق العمل (تمكين)، وبرنامج دعم الأجور، والخطة الوطنية السوق العمل للأعوام 2023-2026، حيث تتسم هذه الأدوات بالمرونة ويمكن تطويرها في أي وقت إذا اقتضت الحاجة ذلك، كما أن السياسة التي اتخذتها الحكومة في هذا الشأن تقوم على معيار التوازن بين تشجيع الاستثمار من جهة وتعزيز أفضلية العامل البحريني من جهة أخرى، حيث لا يمكن فصل البيئة الجاذبة للاستثمار عن توظيف العمالة البحرينية، ما يدفع إلى العمل الجاد نحو تمكين العامل البحريني من خلال تدريبه وتأهيله، بحيث يكون الخيار الأمثل في التوظيف دونما حاجة إلى نصوص قانونية تضع إجراءات معقدة أو جزاءات عقابية تؤثر بشكل كبير على الاستثمار والمستثمرين، ومن ثم فإن حاصل ذلك أن الحكومة تتفق مع الأهداف التي ينشدها مشروع القانون وتؤيدها، غير أنه لا يتطلب الأمر التعديل المقترح الذي اشتمل عليه مشروع القانون الذي نحن بصدده لتوافر الغاية المرجو تحقيقها منه.

وأكدت الحكومة عدم اتساق مشروع القانون مع ما تضمنته المادة (42) من القانون رقم (19) لسنة 2006 بشأن تنظيم سوق العمل، ولا يتواءم مع الحق في حرية العمل، إذ إن من المقرر أن صياغة أي تشريع جديد يجب ألا تخرج عن السياق القانوني العام داخل الدولة، وهذا يقتضي العلم والإحاطة بالتشريعات القائمة، تجنباً لأي مخالفة أو تعارض محتمل بين التشريع المراد صياغته ونصوص الدستور أو نصوص القوانين النافذة في الدولة. كما أن حرية التعاقد قاعدة أساسية يقتضيها الدستور صوناً للحرية الشخصية، التي تمتد حمايتها إلى إرادة الاختيار التي ينبغي أن تتوافر لكل شخص، فمبدأ الحرية التعاقدية يعني أن يتمتع كل شخص بحرية العمل، فالعامل له حق في اختيار العمل الذي يرغب فيه، ولصاحب العمل الحق في اختيار العامل الذي يناسبه، إلا أن هذه الحرية إذا تركت دون تنظيم فإنها تؤدي إلى نتيجتين، إما الاختلال في سوق العمل، أو الإضرار بالمصالح الوطنية.

وفي إطار حماية الحق في حرية العمل للعامل وصاحب العمل وتوفير فرص عمل للعمالة البحرينية فقد فرض المشرع بنص المادة (42) من القانون رقم (19) لسنة 2006 بشأن تنظيم سوق العمل رسوماً على أصحاب العمل عن كل تصريح. عمل أو تجديده، وأوجب في الفقرة (ب) من هذه المادة أن يُراعى في اقتراح هذه الرسوم ما تتضمنه الخطة الوطنية بشأن سوق العمل ومدى قدرة العامل البحريني على المنافسة في سوق العمل، وأن التدرج في زيادة الرسوم يجب أن يقابله التدرج في نسبة البحرنة، وبالتالي فإن المشرع قد وازن بين المصلحة العامة المتمثلة في توفير فرص عمل للمواطنين والمصلحة الخاصة لصاحب العمل في حرية اختيار من يعمل لديه، وربط ذلك بالتدرج في تطبيق سياسة البحرنة بما يتوافق مع احتياجات سوق العمل، كما أن عقد العمل من العقود الرضائية التي تتجلى فيها حرية التعاقد بين صاحب العمل والعامل، وتلتقي إرادتهما في أن يؤدي العامل عملاً متفقاً عليه تحت إدارة وإشراف صاحب العمل، ومن ثم فإن إجبار صاحب العمل عبر نص قانوني مقترن بعقوبة حال تخلفه عن توظيف البحريني هذا التوجه محفوف بتحديات وصعوبات تتعلق بإمكانات صاحب العمل، وكذلك استقرار علاقة وبيئة العمل، ما يخلق بيئة عمل غير مستقرة يشوبها النزاع وينذر بعواقب سيئة على سوق العمل، فضلاً على أن مشروع القانون فيه مساس بالسلطة التقديرية لصاحب العمل في تحديد من يراه مناسباً لمصلحة العمل والمنشأة دون حاجة إلى وجود نص قانوني يلزمه بذلك.

ومشروع القانون بما يوجبه على صاحب العمل الراغب في توظيف عامل من وجوب الرجوع إلى وزارة العمل ومراجعة السجلات الخاصة بالباحثين عن العمل، ووضع عقوبة جنائية حال مخالفة ذلك، هذا التوجه المقترح لا يتسق مع النص القائم (المادة (42) من القانون رقم (19) لسنة 2006 بشأن تنظيم سوق العمل، ويتناقض مع السياسة التشريعية بالمملكة القائمة على التشجيع على تطبيق «البحرنة» وأن تكون الأولوية في التوظيف للبحريني الحاصل على المؤهلات والخبرة اللازمة، وذلك كما هو الحال، على سبيل المثال، فيما ورد بنص المادة (14) من المرسوم بقانون رقم (21) لسنة 2015 بشأن المؤسسات الصحية الخاصة والمعدلة بالقانون رقم (1) لسنة 2019 والتي تنص على أن الأولوية في توظيف العاملين في المؤسسات الصحية الخاصة للأطباء والفنيين والممرضين البحرينيين الحاصلين على المؤهلات والخبرة اللازمة، وتستثنى من ذلك الوظائف التي تتطلب خبرة تخصصية نادرة وغير متوافرة.

وخلصت الحكومة إلى أن مشروع القانون المعروض على النحو السالف بيانه لا يتسق مع ما تضمنته المادة (42) من القانون رقم (19) لسنة 2006 بشأن تنظيم سوق العمل، ويتناقض مع السياسة التشريعية بالمملكة القائمة على التشجيع على تطبيق « البحرنة»، ولا يتواءم مع الحق في حرية العمل، ولا تتحقق به الغاية المرجوة من مثل هذا الاقتراح.

وأكدت الحكومة غموض النص التشريعي المقترح، وعدم تناسب العقوبة المقررة عليه، إذ يجب أن تصدر التشريعات واضحة محددة بعيدة عن الغموض وعدم التحديد، فالهدف من مبدأ الشرعية هو ضمان إخطار الكافة بما يعد جريمة وبالعقوبة المقررة عليها، وهو ما يستلزم وضوح قصد المشرع، وكل غموض يشوب ذلك يؤدي إلى الإخلال بالأمن القانوني للفرد، كما يجب أن تتضمن النصوص الجنائية، على وجه الخصوص، تحديداً جازماً لضوابط تطبيقها، وأنه كلما أثم المشرع أفعالاً بذواتها، فإنه يجب تعيين حدودها وأوصافها، بما ينفي التجهيل بها، وذاك شرط أولي لصون الحرية الشخصية.

كما أنه لا يمكن اعتبار الشخص مسؤولاً جنائياً إلا عن فعله أو امتناعه الشخصي، فوفقاً لنص الفقرة (ب) من المادة (20) من الدستور البحريني «العقوبة شخصية»، ويشترط لقيام المسؤولية وجود علاقة مادية بين الجريمة والسلوك الشخصي للمسؤول عنها، ويفترض هذا الإسناد توافر عنصرين: الأول: مساهمة الشخص بفعله الشخصي في الجريمة، والثاني: توافر علاقة السببية بين فعل المساهمة والنتيجة الإجرامية التي يعتد بها المشرع في التجريم والعقاب، فلا يتصور وفقاً لأحكام الدستور أن توجد جريمة في غيبة ركنها المادي، ولا إقامة علاقة السببية بين مادية الفعل المؤثم والنتائج التي أحدثها بعيداً عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه.

وبالرجوع إلى النص التشريعي المقترح نجد أنه قد أوجب على صاحب العمل الراغب في توظيف عامل الرجوع إلى وزارة العمل ومراجعة السجلات الخاصة بالباحثين عن العمل، واضعا جزاءً على صاحب العمل إذا لم يُقم بهذا الالتزام؛ فالامتناع عن القيام بهذا الواجب السلوك السلبي يشكل ركنا مادياً للجريمة يصعب إثبات تحققه، في ضوء أنه لم يتم تحديد آلية إثبات القيام بهذا الالتزام الملقى على عاتق صاحب العمل، أو المدة التي يجب فيها القيام به، أو إيكال تحديد ذلك بقرار يصدر عن الوزير المعني بشؤون العمل، وهل يتم تقديم إفادة من الوزارة المعنية بشؤون العمل تفيد بقيام صاحب العمل بهذا الالتزام من عدمه، الأمر الذي يجعل صاحب العمل على غير بينة من أمره في كيفية القيام بهذا الالتزام، وذلك نظراً إلى الغموض الذي يشوب النص التشريعي المقترح من جهة موضوعه، فضلاً على الغموض في عبارة نصه، حيث بدء النص بعبارة (مع مراعاة أحكام المادة (9) من هذا القانون...)، وهذه المادة تجعل لكل مواطن قادر على العمل راغب فيه أن يتقدم بطلب لقيد اسمه لدى الوزارة أو أي من المراكز التابعة لها، وعلى الوزارة قيد هذه الطلبات فور ورودها في سجل خاص بأرقام مسلسلة، مع إعطاء الطالب شهادة بحصول هذا القيد دون مقابل. وتحدد بقرار من الوزير البيانات التي يجب أن تتضمنها الشهادة المشار إليها في الفقرة السابقة، ولا علاقة للمادة المذكورة (المادة (9)) بالنص المقترح، الذي يخص التزاماً يقرره المشرع على عاتق صاحب العمل، ولا يرتبطان ببعضهما نتيجة وسبباً.

كما يلحق النص المقترح الغموض أيضاً من حيث تقرير العقوبة على صاحب العمل حال عدم قيامه بتطبيق الأولوية في التوظيف للبحريني الحاصل على المؤهلات والخبرة اللازمة باعتبار أن تطبيق معيار الأولوية يتمتع فيه صاحب العمل بسلطة تقديرية، لكون هذا المعيار يتسم بالمرونة، ولا إلزام بوجوب التعيين أو التوظيف، ومن ثم سيثور الخلاف مستقبلاً بشأن تطبيقه، ما سيؤدي إلى عدم فاعلية النص المقترح في تحقيق الغاية منه في التوظيف بالقطاع الخاص وتوفير فرص عمل للمواطنين، وأن يكون رجوع صاحب العمل إلى وزارة العمل ومراجعة السجلات الخاصة بالباحثين عن العمل رجوعاً ظاهرياً توقياً لوقوع الجزاء، دون أن يُعمل أو يطبق معيار الأولوية في التعيين للبحريني.

ومن جانب آخر فإن الأصل في العقوبة هو معقوليتها، فكلما كان الجزاء الجنائي قاسياً، أو كان متصلاً بأفعال لا يسوغ تجريمها، أو مجافياً بصورة ظاهرة للحدود التي يكون معها متناسباً مع خطورة الأفعال التي أثمها المشرع، فإنه يفقد مبررات وجوده، ولئن كانت السلطة التشريعية تتمتع بسلطة تقديرية واسعة في اختيار الفعل المجرم والعقاب عليه، فإن هذه السلطة مقيدة على نحو كبير بالضوابط والمبادئ الدستورية في خصوص التجريم والعقاب، والتي من بينها ضرورة تناسب العقوبة مع الفعل المؤثم ومعقوليتها، بحسبان أن ذلك هو الأصل في العقوبة، ولا بد أن يتناسب الجزاء مع الفعل المجرم، وشرعية الجزاء مناطها أن يكون متناسباً مع الأفعال التي أثمها المشرع أو حظرها أو قيد مباشرتها، والجزاء لا يكون مبرراً إلا إذا كان مفيداً من الناحية الاجتماعية، وإلا أضحى مخالفاً للدستور. فعلى المشرع الجنائي أن ينتهج الوسائل القانونية السليمة سواء في جوانبها الموضوعية أو الإجرائية لضمان ألا تكون العقوبة أداة عاصفة بالحرية، وأن تكون العقوبة التي يفرضها في شأن الجريمة تبلور مفهوماً للعدالة يتحدد في ضوء الأغراض الاجتماعية التي تستهدفها.(الدعوى رقم 114 لسنة 21 قضائية المحكمة الدستورية العليا المصرية)

وحيث إن العقوبة المالية الواردة في مشروع القانون هي الغرامة التي لا تقل عن ألف دينار ولا تجاوز ثلاثة آلاف دينار على كل صاحب عمل أو من يمثله لمن يخالف حكم المادة (9) مكرراً من هذا القانون، هذه العقوبة تفتقد الملاءمة والمعقولية ولا تتناسب البتة مع الفعل المجرم، حال كون العقوبات المالية المقررة في الباب السابع عشر (العقوبات) المواد (184)،(185)، (186)، (187)، (188)، (189)، (190)، (191)، (192)، المادة (192) مكرراً، (193) من قانون العمل رقم (36) لسنة 2012 بالغرامة التي تتراوح جميعها من خمسين ديناراً إلى ألف دينار، وتطبق هذه العقوبة المالية بمقدارها المذكور على العديد من الأفعال الإجرامية التي تشكل خطراً أكبر من الفعل الإجرامي الموضوع بشأنه العقوبة المقترحة في مشروع القانون.

كما أنه وفقاً لنص المادة (194) من القانون المذكور تتعدد العقوبة في الجرائم المنصوص عليها في هذا الباب بتعدد العمال الذين وقعت في شأنهم الجريمة، وتُضاعف العقوبة في حالة العود، ومن ثم ينطبق هذا الحكم على المادة المقترحة بتقرير العقوبة على مخالفة المادة (9) مكرراً، ومن ثم فإننا أمام التطبيق العملي حال إقرار مشروع القانون سنقف أمام تقرير عقوبة مالية قاسية لا تتناسب البتة مع الفعل الإجرامي، وهو الرجوع إلى وزارة العمل ومراجعة السجلات الخاصة بالباحثين عن العمل حال الرغبة في توظيف عامل.

كما أنه وفقاً المادة (197) من القانون المذكور يُسأل الشخص الاعتباري جنائياً إذا ارتكب أي جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون باسمه أو لحسابه أو لمنفعته، ويعاقب بضعف الغرامة، بحديها الأدنى والأقصى، المقررة لتلك الجريمة طبقاً لأحكام هذا القانون، وكان صاحب العمل وفقاً للمادة الأولى من القانون المذكور هو كل شخص طبيعي أو اعتباري يستخدم عاملاً أو أكثر لقاء أجر، وبالتالي فإذا ما خالف صاحب العمل كشخص اعتباري أحكام المادة ( 9 مكرراً) المقترحة بمشروع القانون ولم يرجع إلى وزارة العمل وسجلاتها قبل عملية التوظيف، في هذه الحالة تتضاعف الغرامة المقررة في حديها الأدنى والأقصى، وعقوبة الغرامة تصبح (لا تقل عن ألفي دينار ولا تجاوز ستة آلاف دينار) وفي ذلك مجافاة لمنطق الواقع وعدم تناسب بين العقوبة المقررة مع الفعل المجرم، ومن ثم فإن الحكومة ترى أن تقدير العقوبة المالية المقررة في هذا الشأن (الغرامة) فيه تشديد مبالغ فيه وإفراط غير مبرر في تحديد مقدارها سواء أكان صاحب العمل شخصاً طبيعياً أم اعتبارياً، وتفتقد مبدأ التناسب والمعقولية المقرر في هذا الشأن والذي يُعد أحد أهم مبادئ السياسة الجنائية الرشيدة.

وانتهت الحكومة إلى دعوة مجلس النواب لإعادة النظر في مشروع القانون.