اعتمدت الجلسة الأولى في المؤتمر الإسلامي الاستثنائي لوزراء الثقافة هما مشروع "برنامج عمل لشأن تعزيز الدعم الإسلامي والدولي للحفاظ على التراث الحضاري والثقافي في القدس الشريف"، ومشروع "مسار المنامة لتفعيل العمل الثقافي الإسلامي المشترك لمواجهة التطرف والطائفية والإرهاب".

وانطلقت أعمال المؤتمر الخميس في البحرين، برعاية حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، في فندق الريتز كارلتون بالمنامة بشعار "جميعاً من أجل حماية التراث الإنساني ومواجهة التطرف"، بحضور رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، والمدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الأيسيسكو) د.عبد العزيز التويجري، والمدير العام لمنظمة التعاون الإسلامي د.يوسف بن أحمد العثيمين، ووزير الثقافة والسياحة والآثار في جمهورية السودان رئيس المؤتمر الإسلامي العاشر لوزراء الثقافة عمر سليمان آدم، إضافة إلى عدد كبير من وزراء الثقافة في الدول الإسلامية والوفود المشاركة وحضور إعلامي وثقافي.

ويسعى مشروع "مسار المنامة لتفعيل العمل الثقافي الإسلامي المشترك لمواجهة التطرف والطائفية والإرهاب" إلى تجديد الوعي بأهمية الانخراط العملي والتشاركي في مواجهة جميع أشكال التطرف والإرهاب والطائفية وتعزيز التعاون والتكامل بين القطاعات الحكومية والمؤسسات التشريعية والقضائية والأمنية وهيئات المجتمع المدني. إضافة إلى وضع برنامج عمل شامل على المدى القريب والمتوسط لمواجهة الفكر المتطرف. كما يسعى المشروع إلى إعادة الاعتبار لمكانة الحضارة الإسلامية وقيمها ومقوماتها المبنية على الوسطية والسلام والتفاعل الحضاري والثقافي مع الآخر. ومن بين الوسائل التي يركز عليها مشروع مسار المنامة، تقوية مضامين ثقافة الاعتدال في مختلف القطاعات الثقافية والوسائط ذات الصلة من جهة وتعزيز هذه المضامين في مجالات داعمة ومكملة للعمل الثقافي.



فيما يتضمن مشروع "برنامج عمل لشأن تعزيز الدعم الإسلامي والدولي للحفاظ على التراث الحضاري والثقافي في القدس الشريف" ستة مشاريع تغطي أولويات العمل لحماية التراث الحضاري والثقافي لمدينة القدس الشريف، وهي تعزيز الجرد الشامل للتراث المقدسي المادي وغير المادي، واستكمال وضع نظام للمعلومات الجغرافية حول القدس الشريف، وإنشاء متحف افتراضي لمدينة القدس الشريف، والبرنامج التكميلي لترميم معالم التراث الثقافي المقدسي وصيانتها، وبرامج التوعية الشاملة بالحقائق التاريخية والموروث الثقافي والحضاري للقدس الشريف وأخيراً دعم البحث والتأليف والترجمة والنشر حول قضايا القدس الشريف.

واقترح برنامج العمل مجموعة من آليات العمل على المستويين المحلي والإقليمي والدولي لتنفيذ هذه المشاريع، تعتمد بالدرجة الأولى على الاستفادة من الخبرات الواسعة المتوفرة في هذه المجالات داخل الدول الأعضاء وخارجها مع دمجها بخبرات جديدة، إضافة إلى تعزيز الإنجازات التي تحققت إلى حد الآن بإنجازات أخرى ملموسة في إطار مشاريع مبتكرة وشاملة.

الثقافة أسلوب مقاومة

وقالت الشيخة مي خلال افتتاح المؤتمر "نجتمع اليوم في البحرين، مؤمنين بالثقافة أسلوب مقاومة لكل ما تواجهه بلداننا العربية والإسلامية من تحديات كبيرة"، مؤكدة أن الإرث الإنساني والمقومات الحضارية تعد وسائل يمكن من خلالها الارتقاء بالبلدان العربية والإسلامية وتحويلها من بلدان مستهلكة للثقافة إلى بلدان منتجة للاشتغال الثقافي.

وأضافت "كان لقاؤنا أجمل بحضوركم، حيث دشنا فصلاً جديداً من العمل الثقافي الهادف لتطوير البنية التحتية الثقافية ضمن فعاليات المحرق عاصمة الثقافة الإسلامية، فجاء مركز زوار طريق اللؤلؤ، المعلم البحريني الثاني على لائحة اليونسكو للتراث الإنساني العالمي شاهداً على أهمية المنجزِ الثقافي الذي يصنع الهوية لأوطاننا ويعكس ما لأرضنا من إرث ثقافي وحضاري".

وأشارت إلى أن "هيئة الثقافة أنجزت مشاريع بنية تحتية ثقافية في المحرق تبقى للأجيال القادمة منارة تساعدهم على الاستمرار في مسيرة الإنجاز الثقافي، ضمن رؤية لتنمية مستدامة تنتهجها هيئة الثقافة في استراتيجياتها"، موضحة أن الهيئة رسخت عبر فعاليات وبرامج وأنشطة متواصلة الصورة الجميلة للإسلام وقيمه التنويرية وروجت لما تمتلكه البلدان الإسلامية من فنون وعمارة وإبداع.

وتوجّهت الشيخة مي بالشكر العميق إلى منظمة الإيسيسكو، وعلى رأسها د.التويجري، لاهتمامها بمدينة المحرق ولثقتها بالبحرين وقدرتها على عكس نموذج راق للمدينة العربية والإسلامية.

وأعرب د.التويجري عن شكره وامتنانه للبحرين قيادة وحكومة وشعباً لاستضافة المؤتمر الإسلامي الاستثنائي لوزراء الثقافة. وقال "كان اختيارنا لعنوان الدورة الاستثنائية لهذا المؤتمر، معبراً عن الاهتمام الكبير الذي نوليه لحماية التراث العالمي وهو مـلـك الإنسانية جمعاء، من جهة، ومعبراً أيضاً، عن انشغالنا بمواجهة التطرف بكل أشكاله وبمختلف درجاته، من جهة ثانية"، مشيراً إلى أن التطرف يهدد استقرار المجتمعات وهويتها الثقافية التي يعد التراث أحد عناصرها الأساسية.

وأضاف أن "العمل من أجل تنوير الرأي العام العالمي لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة منذ سبعة عقود، على الحرم المقدسي، وعلى مدينة القدس الشريف، بصورة عامة، من شأنه أن يوفر الدعـمَ للجهـود التي نبذلها في إطـار الإيسيسكو، والألكسو، واليونيسكو، لحماية تراثنا الإسلامي العربي في المدينة المقدسة، وهو تراث للإنسانية جمعاء"، مشدداً على أن حماية التراث العالمي مسؤولية يتحملها المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، سعياً لإنقاذ العالم من الصراعات والحروب.

وتوجّه د.التويجري بنداء إلى المجتمع الدولي بالقول "إنني أوجه نداء إلى المجتمع الدولي، للقيام بمسؤوليته في حماية التراث الإنساني في القدس الشريف بخاصة، وفي جميع أقطار الأرض بعامة، ومواجهة التطرف والطائفية والإرهاب، فحماية التراث الإنساني ليست مهمة دولة من الدول ولكنها مهمة إنسانية عالمية مشتركة".

وعبر د.يوسف بن أحمد العثيمين عن سعادته لوجوده في البحرين، مشيراً إلى أن "المملكة لطالما شكلت جسراً للتواصل بين الحضارات الإنسانية، منذ حضارة دلمون وحتى عصر الحضارة العربية والإسلامية".

وتطرق إلى أبرز التحديات التي تواجه الهوية الثقافية العربية والإسلامية، مطالباً بالتصدي لها عبر إيصال الرسالة الإنسانية الإسلامية إلى العالم والاهتمام بالفكر والثقافة وتعزيز العلاقات القائمة على احترام كرامة الإنسان، إضافة إلى ترسيخ قيم العدالة الاجتماعية ومبادئ الاعتدال والوسطية والتسامح ونبذ التطرف والكراهية والتعصب.

وهنأ وزير الثقافة السوداني رئيس المؤتمر الإسلامي هيئة البحرين للثقافة والآثار على نجاح برامجها خلال عام الاحتفاء بالمحرق عاصمة الثقافة الإسلامية، مشيداً بافتتاح مركز زوار موقع طريق اللؤلؤ المسجل في قائمة التراث العالمي لليونسكو.

وحول مواجهة السودان للتطرف، قال الوزير إن الحكومة السودانية وضعت منهجاً علمياً وموضوعياً لمحاربة التطرف باستخدام أدوات الحوار والإقناع والارتقاء بالثقافة والفكر في المجتمع، مشيراً إلى أن تجربة السودان في الاحتفال بمدينة سنار عاصمة للثقافة الإسلامية حققت منجزاً محورياً ضمن العمل التضامني الثقافي الإسلامي.

وشهد المؤتمر توقيع مذكرات تعاون متنوعة لتفعيل عدة مشاريع ثقافية وحضارية بينها مذكرة تفاهم ما بين الأيسيسكو والمركز الإقليمي العربي للتراث العالمي تتضمن مشاريع لحماية التراث الثقافي والطبيعي في الدول الأعضاء لمنظمة التعاون الإسلامي وبرامج لبناء قدرات الخبراء والمختصين في مجالات التراث في الدول العربية والإسلامية. ومذكرة تفاهم بين الأيسيكو ووزارة الثقافة التونسية حول استضافة العاصمة التونسية للمؤتمر الإسلامي الحادي عشر لوزراء الثقافة تزامناً مع الاحتفاء بتونس عاصمة الثقافة الإسلامية لعام 2019 عن المنطقة العربية.