متى يتقاعد المرء نفسياً واجتماعياً؟

التقاعد من القضايا المثيرة للجدل التي تؤرق صُناع القرار. وفي حين تكون سن التقاعد واضحة من الناحية القانوية عادة، فإن معايير سن التقاعد من الناحية الاجتماعية والنفسية تبقى قضايا نسبية تختلف من شخص إلى آخر. وعادة ما تفتح القضايا النسبية أبواب جدل اجتماعي واسع.

الباحث والمفكر المتخصص في علم الاجتماع وعلوم الاتصال د.نوح خليفة قال إن "الإنسان في بلادنا العربية يتقاعد عندما يصل عمره إلى الحد الأقصى للتقاعد وكأنه يعتبره نهاية العمر، لكن في الآونة الأخيرة وبعد تطور أنظمة التقاعد شاعت ظاهرة التقاعد المبكر، وأخذت الظاهرة شكلاً من أشكال العودة للحياة التقليدية أي الخلاص من التزامات الوظيفة بدافع شبابي جديد نحو التقاعد".

وأضاف "نجد دوافع أخرى للتقاعد أبرزها الهجرة، والبحث عن الذات خارج حدود الوطن، وهناك دافع شبابي يتمثل بتراجع دافعية الفرد نحو التطور، واتخاذه قرار الاكتفاء بالعيش اليومي، والاعتماد على الحظ في الفرص المقبلة. لكن الفرد (الشاب) عندما ينصرف عن المهنة متجهاً للتقاعد فإنه سيصبح خارج نطاق قدرتنا على استثماره وستبقى اتجاهاته الفردية متحكماً أساسياً في انقياده لأي مجال خصب حسب تفكيره وميوله، خصوصاً في ظل تراجع حضور البيئات والسياسات التي تعتمد على مجالات تقليدية بل بمقومات وإمكانيات متطورة تدعم اقتصاد الدولة من جهة وتسمح لاستثمار عنصر المرونة في إمكانية مزاولة أي فرد أي ممارسات مهنية جديدة سواء بعد التقاعد أو كمهنة أساسية".

وعن متى يجب أن يتقاعد المرء، قال د.نوح "عندما يحين وقت الانطلاق نحو مرحلة الاستقلالية وعيش الحياة بطلاقة والإسهام في مجالات أخرى واستثمار الخبرات، وعندما يكون الإنسان نفسه وإمكاناته ومهاراته التي تؤهله للاستقلالية وعيش التقاعد بأمان، لكن يجب ألا يكون الدافع التكاسل والتراجع عن الكفاح والتطور والإسهام في النماء الاجتماعي والوطني، كما لا يصلح أن يكتفي الانسان بتكوين نفسه في بداية حياته فيجب أن نعد أنفسنا لكل مرحلة. ومهما كانت درجة بساطة الانسان فإن مرحلة التقاعد هي مرحلة يعود فيها لإمكانياته الذاتية. أعني هنا أن الاشتغال الدائم خارج دائرة المهارات والإمكانات الذاتية عائق قاهر للفرد بعد التقاعد لعيش حياة سعيدة".

وأضاف "يجب على الفرد تحديد مسار خاص وشخصي يرتكز عليه كخط أمان كمصدر للعيش أو كمنطلق نحو شكل من أشكال الحياة المستقلة. لذلك يجب أن ترتبط ثقافة التقاعد بثقافتنا نحو الحياة والإنتاجية والتخطيط الشخصي والوطني وللمؤسسات التعليمية والمهنية القدرة على رفدها لتعزيز الاقتصاد الوطني والتطور الاجتماعي".

وقالت المعالجة النفسية دانية ناجي كابلي ، تخصص علاج وارشاد نفسي إن "الإنسان يتقاعد عندما يصبح غير مؤهل للعمل بسبب كبر السن، وقد يتقاعد البعض مبكراً لأسباب مختلفة، ولكن يعتبر سن التقاعد موضوعاً مثيراً للجدل فهناك من يرى التقاعد نقطة النهاية التي يتوقف فيها نشاط الفرد ويموت فيها فكره وإنتاجه وينتهي به المطاف بالوحدة والعزلة و هناك من يراه فرصة للراحة والاستجمام والتجديد خاصة إذا وجدت خطة مناسبة لما بعد التقاعد".

وعن الفترة المناسبة للتقاعد، أوضحت أن "ذلك يعتمد على عدة عوامل منها حالة الفرد وطبيعة عمله والمجتمع الذي ينتمي إليه وفكرته الشخصية حول موضوع التقاعد. البعض يرى أنه من الافضل ممارسة العمل حتى أكبر سن ممكن أي لحين يصبح غير قادر على المواصلة، وآخرون يقررون التقاعد مبكراً رغبة في الراحة أو قضاء وقت أكثر مع العائلة والأصدقاء وتختلف الاسباب من شخص لآخر".

وأشارت كابلي إلى أن "هناك كثيرين يفتقدون لخطة ما بعد التقاعد، لكن الافضل الانخراط في أعمال جزئية أو إشرافية أو إدارية أو مواصلة النشاط في هوايات معينة أو تعلم مهارات جديدة".

لكن متى يتقاعد المخ؟ أجابت كابلي بأن "المتقاعد هو من يحدد متى يتقاعد مخه، فالتقاعد عن العمل لا يعني بالضرورة تقاعد المخ، كثيرون يتقاعدون عن العمل ويواصلون نشاطهم فكرياً في التعلم المستمر لمهارات وهوايات جديدة أو ممارسة رياضات معينة فيحافظون على صحتهم العقلية ويقضون وقتهم بشكل ممتع وهادف".