أعتقد أن الجميع سمع عن كوب القهوة الذي سعره 1500 دولار أي ما يعادل «564 ديناراً» في أحد المقاهي بأستراليا، وأعتقد أيضاً بأن الكثير منا استنكر هذا الشيء ووضع نفسه بمكان بعيد عن هؤلاء وتصرفاتهم، فأي مجنون يفكر بأن يدفع هذا المبلغ مقابل فنجان قهوة!

هذا ما قلته أثناء حديثي مع أحد الزملاء، «من هذا الغبي الذي يدفع هذا المبلغ مقابل فنجان»، لأجده يقول وبكل ثقة هناك الكثير، وهم ليسوا بأغبياء بل أشخاص يحبون اكتشاف ما هو جديد وتجربة ما هو فريد. للحظات ظننته يمزح أو يحاول استفزازي ، ومع الوقت وجدته يبرر كل ذلك لقناعة وأسباب يعتقد بأنها صحيحة.

زميلي هذا بدأ بشرح أسباب ارتفاع تكلفة فنجان القهوة، حيث قسم البشرية إلى صنفين، صنف يفهم في القهوة وصنف فقط يشربها، والصنف الذي يفهم في القهوة يدرك أن حبوب القهوة التي يتم تحضيرها على حرارة بركان في «سيلا دي باندو» التي ترتفع 1700 متر فوق مستوى سطح البحر، وبدرجة حرارة معينة، وتطحن على سرعة معينة بشكل يدوي بمطاحن النحاس التي لها ذراع من خشب البلوط!

هنا أوقفت زميلي عن الكلام وقلت له بأنه مخطئ، فسعر 1500 دولار قليل، لأجد ابتسامة عريضة على وجهه المربع، ويقول لي نعم أتفق معك تماماً فمن يفهم بهذا «السايكل» دورة تحضير القهوة يقدر ذلك.

طبعاً لم أقل ذلك بسبب اقتناعي من كلام زميلي العزيز، بل لقناعة بأن هذا الصنف من الناس مهما تبسط لهم الأمور وتقدم لهم السهل يعقدون الأمور، فلن تستطيع إقناعهم بأنهم مجموعة من «المغفلين» يتم تلميعهم في المجتمعات تحت اسم «مميزون» من الطبقة الأرستقراطية.

هؤلاء يبحثون عن أي مصيدة تلمع، فقط قل لهم إن ما تحصل عليه يقدم لفئة قليلة وأن هذه الفئة من الطبقة المميزة، وانظر كيف يرددون القول بكل خشوع، وهؤلاء يعتقدون بأنهم يحصلون على شيء مميز ومختلف عن باقي البشر، وفي الأصل يحصلون على أعلى أوسمة الغباء والاستحمار.

والأكيد أن الكثير منهم يعلم جيداً بأنه مغفل وأن من معه وحوله في نفس الوضع كذلك، إلا أنهم يشدون أزر بعض بمزيد من الاستهبال والاستعباط، فلا يكفي أنه تم بيعك بعض الوهم بل أن من حولك يثني ويؤكد لك بأن الرابح الأكبر.

من باع هؤلاء الأوهام لم يدفعهم أو يجبرهم، ولم يقسم لهم على القرآن بأنكم ستكونون أشخاصاً غير الذي كنتم عليه، فقط قدم لكم الجو الذي كنتم ترغبون في عيشه، فقط قال لكم أو أوهمكم بأنكم ستكونون مميزين، وأنتم من صدق ذلك بسبب أنكم ترغبون في ذلك.