بكل صراحة، وعلى غير عادتي، أعترف لكم بأنه أسوأ عام يمر علي. وأني حصدت من الخسائر القياسية ما دفعني للتوقف والتفكر فيما حدث لي هذا العام! وعليّ، أولاً، أن أستدرك وأحمد الله أن الخسائر لم تكن في الصحة أو الأهل أو أي من أشيائي الثمينة. ثم أدعوه، جلّ وعلا، أن يعدي باقي أيام سنة 2023 على خير. فعلى الرغم من عدم إيماني بقوانين النحس والحظ. إلا أن هذا العام، وعن جدارة، كان عاماً منحوساً.

بكل تأكيد مررت بمشكلات وتحديات أكثر عدداً وأقسى إيلاماً. ولكنني شعرت أن هذا العام هو الأسوأ.

باختصار لأنه عام لم أفشل في أي مشروع خضته. ولكنني كنت دوماً الخاسرة. وهذا ما أصابني بالذهول واختلال التوازنات بسبب نتيجة المعادلة غير المنطقية. كيف تكون رابحاً وتخسر؟ كيف تسير إلى الأمام بخطى راسخة وثبات عالٍ ثم تجد نفسك قد انتهيت عند خط البداية؟

ليس الهدف من هذه المكاشفة مشاركة الحزن أو الغضب أو أي شعور إنساني ينتابنا حين نتجرع مرارة «الخسارة». ولكني أحببت تقاسم التجربة معكم، في تقييم الجانب السلبي من عام مضى، وكيفية إعداد خطة «تجاوزية» لاستدراك الخسائر في العام القادم. فثمة خلل ما حدث يجب دراسته ومعالجته.

في جلسة تأمل صارمة تضبطها القسوة الشديدة مع الذات، فككت مجريات العام الحالي. واكتشفت أنها ذات علائق بالأعوام السابقة. وأن ما حدث لم يكن جديداً، ولم يكن خفيّاً. ولكني كنت أصنفه «بسيطاً»، وأحفظه في منطقة «الهوامش» التي ظننت أنها ستتلاشى من تلقاء نفسها. ثم،،،، وجرياً على أساليب الكتب التراثية، كبرت الهوامش واتسعت وتحولت إلى متون. بل إن بعضها صار كتاباً كاملاً. وذات فجأة يسيطر الهامش على سطح الحياة. فتصير أنت، نفسك، هامشياً. وعند هذه النقطة عليك أن تتوقف.

اكتشفت أن خسائر العام 2023 هي حاصل جمع خسائر ثلاث سنوات ماضيات. تراكمت وتضاعفت وصار من الصعب التغلب عليها. نحن المتفائلون، الذين تعلمنا أن ننظر دائماً إلى الجزء الممتلئ من الكأس، حين نواجه خسارة بسيطة نعتبرها جزءاً من بهارات الحياة اللاسعة التي تمنح الحياة مذاقها الطبيعي. وحين نفقد مساحة صغيرة ما؛ تلتفت أعيننا سريعاً إلى المساحات الشاسعة التي مازالت تحت سيطرتنا. نحن الأسرع في التخلي عن أي شيء. والأنجح في التعافي من كل شيء. والأجرأ في التنازل للآخرين. والأسعد حين نتسامح مع المخطئين. نحن الأضعف في مادة الرياضيات. لذلك، ونحن نبدد ثرواتنا الروحية، ينتهي جرد حسابنا آخر العام بالأصفار الكثيرة.

من أجل ذلك، شرعت في إحصاء خسائري من الآن وتوثيقها مكتوبة في مذكرة خاصة. وحين تسول لي نفسي الضعيفة بالتغافل عن مساحة جديدة من الهزائم، يبرز صوت جديد في داخلي، للتو بدأت التعايش معه، ليؤنبني بشدة ويهددني: توقفي، كفي عن قبول الخسائر.

وهكذا عاهدت نفسي في العام القادم أن أقارن إحصائيات الخسائر فأجدها قد انخفضت عن هذا العام.

استمتعوا بجماليات الحياة. واسعدوا بعامكم القادم. تمنوا أياماً مليئة بالخير والنعم، ومناسبات هنيئة. ليكن التفاؤل فانوسكم في المسير المبارك في الحياة. ولكن.. تذكروا خسائركم وإخفاقاتكم ومن خذلكم مراراً وتكراراً. وتوقفوا عن منح الفرص المتكررة، والتسامح الأبدي والتغاضي الدائم، عن كل ما سبب لكم الآلام والخيبات.