الحياة هي سلسلة من الحكايات المؤثرة التي لو تأملتها جيداً لاكتشفت أنك طاقة مؤثرة فيها، شريطة أن تكون نواياك مُسخرة في عمل الخير، وخطواتك تنثر التأثير المرجو في جميع المساحات التي تعيش في أرجائها. هذه السلسلة لا تقف عند حد مُعين، بل هي امتداد لواقع الحياة الذي تعيشه والذي يتعدى عمر الإنسان الحقيقي. فإنما عمرك هو حكايتك المؤثرة التي صنعتها في الحياة والتي ستبقى خالدة للأجيال. في كل مرة يكتب قلمي هذه المعاني، أحب أن أعايشه بأسلوب آخر، وأحب أن أستذكر فيه قطرات من العطاء في حكايات كثيرة مرت في عمري، ومازلت أفخر بها، وأحكيها فصولاً تنثر زهور القيم في حياة الأجيال.
لم تعد حكاية «غزة» مجرد فصول اعتيادية اعتدناها، بقدر ما هي منهج حياة تغيير وأثر لنا جميعاً. وإن مرت الشهور وتكررت تلك المشاهد الدامية المؤثرة في مساحاتها الحزينة، فستبقى هذه الحكاية فصلاً مهماً من فصول حياتنا لابد أن نعيد الكتابة عنه مرات ومرات من أجل أن نحيي تلك الضمائر النائمة، وننطلق بكل قوّتنا لعطاءات الحياة. قطرة صغيرة من قصص مُبكية من أرض غزة، تدفعنا لأن نكون أصحاب أثر ومشروعات خالدة في حياة، وأصحاب حكايات لها الأثر الكبير في الكون كله. لا تعني حكاية غزة أن نكون مجرد ناقلين للحدث، بل أن نكون ساعين للخيرات، مُخلدين للمشروعات المؤثرة للقيم الحياتية، فهم وفي ظل هذه الأجواء لم يسكبوا الدمع فحسب، بل استمرت حياتهم وسط الدمار والحرب الشعواء يقدمون الأثر كما لو كانت حياتهم آمنة. هنا يبقى السؤال الأهم: ماذا تقدم الآن من أثر في حكايات حياتك؟ فمن المؤلم أن تظل «صورة باهتة» في الحياة، وأنت في الوقت ذاته تُنادي بنصرة غزة. فإنما النصرة الحقيقية كما أراها بالعطاء الدائم، وبالأثر الجميل في جميع المساحات، فهم هناك ينشرون الخير ويبثون الأمل ويعيشون لحظتهم بالرغم من الآلام التي نخرت أجسادهم.
عندما تكون رسالتك في الحياة أن تكون معلماً إنسانياً مؤثراً في جميع محطات حياتك قائماً على طاعة الله تعالى واجتناب نواهيه، فأنت حينها على موعد على أثر مُتجدد في كل أيام عمرك. سبحانك يا رب مازلت أتذكر بعض تلامذتي في سنوات التدريس الأولى وقد طلبت منهم أن يكتبوا رسالتهم وأهدافهم في الحياة، وأن يحتفظوا بهذه القصاصة في محفظتهم، ليعودوا إلى صوابهم وأثرهم كلما فتروا عن الطاعة والعطاء. مرت السنوات وأرسل لي أحد تلامذتي صورة من هذه القصاصة وهو يتأمل حاله ويراجع حساباته. نحتاج إلى مثل هذه القصاصات من أجل تلك القطرات «الباردة» التي تروي ظمأ الحياة، وتسكب الطمأنينة والراحة في نفوسنا، وتُعيدنا إلى صوابنا الذي يحقق غاياتنا والفوز بالفردوس الأعلى.
عندما تجمع تلك القطرات المؤثرة من حكاية «مسجدك» الذي ترتاده كل يوم خمس مرات، وتصافح قلوب روّاده، فإنك بلا شك ستجد العديد من القطرات التي تزيل عنك هموم الأيام. يكفيك أن تكون قريباً من مولاك بسجدة تبث فيها همومك، وبتسبيحات ترطب بها لسانك، وبأذكار ورقية تحفظك من مزالق الشيطان وأمراض الحياة، وبأناس بسطاء تتقاسم معهم ابتسامات الأمل، وبآباء كرام يُبادرونك بالسلام والتحية ويدعون لك بالخير والثبات. ما أجمل حكاية المسجد وحكاية «إمامة المسجد» التي أعشق مواقفها وأسأل الله تعالى أن تشهد لي جميع مساحاته يوم القيامة بكل خير قدمناه، وبكل أثر وسعادة نرجوها، وبكل آية علّمناها، وبكل دروس أوصلنا مفاهيمها للمُصلين. حكاية المسجد حكاية يومية تروينا بالإيمان العذب، وتُريحنا من تعب الأيام. صدقت يا رسول الله: «أرحنا بها يا بلال».
حكاية محطة «عملك» هي حكاية خاصة في حياتك، لأنها باختصار تشغل جل ساعات يومك، من أجل لقمة العيش، ومن أجل أن تترك أثراً أياً كان طبيعة عملك. ولعل أهم قطرات التأثير التي تسكبها من هذه الحكاية، هو حجم التأثير الذي تتركه، وطبيعة الأداء الذي تقوم بها، ومدى إخلاصك وتفانيك، والأهم من ذلك «قوّتك وأمانتك». قال تعالى: «إن خير من استأجرت القويُّ الأمين»، في إشارة إلى أمانة الشخص وصلاحه وعدم خيانته، وقيامه بالواجبات المناطة به على الوجه الأكمل، وثقة الآخرين به. إنها حكاية تُورث أثرها برقي التعامل، وبالوفاء المُتبادل، وبحُب الآخرين وتقديرهم، والحفاظ على المودة وعدم التعرّض بما يُعكر صفوها.
ومضة أمل
العديد من القطرات الباردة التي تُنعش نفوسنا من حكايات الحياة، لا ننتبه لأثرها إلا بعد فوات الأوان، ولا نعرف قيمتها إلا إذا انقطعت من أيام أعمارنا. من السهولة أن تسُد بعض المساحات الفارغة، ولكن من الصعوبة أن تُعوّض أثر الغائب عنها، فالقطرات لا تتشابه أبداً في حجمها وأثرها.