لم يعد مفهوم مشاركة الشخصيّات الرقميّة أو ما يسمّى بالصور الرمزيّة للذكاء الاصطناعيّ (AI Avatar) في الاجتماعات يقتصر على عالم الخيال العلميّ. ستكون هذه الرؤية حقيقة على المدى القريب، وهذا ما أكّده إريك يوان، مؤسس شركة Zoom، في حديثه قبل أسابيع ماضية مع مجلّة The Verge المتخصّصة في مجال التكنولوجيا.

تخيّل سيناريو يستطيع فيه توأمك الرقميّ، المجهّز بقدرات الذكاء الاصطناعيّ المتقدّمة، تمثيلك في الاجتماعات؛ يُلخص ما دار في جداول أعمالها، ويركز على ما هو هامّ بالنسبة لك من توصياتٍ وبنود تحتاج للمتابعة والتنفيذ، بل وحتّى مساعدتك في اتّخاذ القرارات حول ما يتم مناقشته من قضايا تهمك أو تهم مؤسستك استناداً إلى رؤى مبنية على بياناتٍ واقعيّة. لا شكّ أنّ هذا الابتكار سيوفّر وقتاً ثمينا للموظّفين؛ ممّا يسمح لهم بالتركيز على المزيد من المهامّ الإستراتيجيّة والإبداعيّة، فالفوائد المحتملة كثيرة خاصّةً بالنسبةِ لأولئك الّذين يشغلون أدواراً تتطلّب حضورهم للاجتماعات بشكل متكرّر وفي كثيرٍ من الأحيان.

ولكي تكون الصور الرمزيّة للذكاء الاصطناعيّ فعّالة؛ يُعدّ التقدّمُ الكبير في معالجة اللغة الطبيعيّة والتعلّم الآليّ ومعالجة البيانات في الوقت الفعليّ أمراً ضروريّاً، حيثُ إنّ تطبيقات ومنصّات الاتصالات الافتراضية مثل Zoom وغيرها بدأت بالفعل دمج هذه المعالجات لمزاياها؛ ممّا يضمن أنّ الصور الرمزيّة للذكاء الاصطناعيّ ستصبح في المستقبل القريب قادرة على فهم المعلومات ومعالجتها والاستجابة لها بذكاء، وبالتالي إنشاء شخصيّات رقميّة يُمكنها تمثيل المشاركين البشريّين بدقّة، وذلك مع استكمال الاستجابات الشخصيّة وتدريبها على التعلّم من التفاعلات بين البشر بمرورِ الوقت.

وعلى الرغم من الآفاق المثيرة لهذه التّقنية، فإنَّ تطبيقها في الاجتماعات قد يأتي مع مجموعة من التحدّيات؛ لعلّ أبرزها الخصوصيّة والأمان، حيثُ سيكون لهذه الصور الرمزيّة إمكانيّة الوصول إلى معلوماتٍ قد تكون حسّاسة، أو أنّ حدوث عمليّات اختراقٍ لتمثيل التوأم الرقميّ وإجراء محادثات زائفة قد يكونُ وارداً ومحتملاً، لذلك سيكونُ ضمان اتّخاذ تدابير أمنيّةٍ قويّة وسياساتٍ شفّافة للتعامل مع البيانات أمراً بالغ الأهميّة لكسب ثقة المستخدمين. بالإضافة إلى ذلك، هناك التحدّي المتمثّل في الحفاظ على العنصر البشريّ في التفاعلات؛ خصوصاً في الاجتماعات التي يكون جميع أطرافها يستخدمونَ هذه التّقنية، ففي حين أنّ الذكاء الاصطناعيّ يمكنه محاكاة السلوك البشريّ؛ إلّا أنَّ الفروقَ الدقيقة في الاتّصالات الشخصيّة والتعاطف قد يكونُ من الصعب التحكّم بها أو أنسنتها.

إنَّ مستقبل الصور الرمزيّة للذكاء الاصطناعيّ في الاجتماعات هو شهادةٌ على الوتيرة المستمرّة للابتكار التكنولوجيّ، ويُمثّل في نفس الوقت تطوّرًا واعدًا في التقاطع بين التكنولوجيا والإنتاجيّة في مكان العمل. ومع استمرار الشركات المطورة في استكشاف إمكانيّات وقدرات الذكاء الاصطناعيّ؛ يمكننا أيضاً أن نتوقّع تحوّلات لاحقة في ديناميكيّات الأعمال قد تُساهم في تعزيز بيئات العمل لتكون أكثر كفاءةً ومرونة، يُمكن لهذا التكامل أن يفتح مستوياتٍ جديدة من الكفاءة والإبداع في حياتنا المهنيّة. ومع ذلك، فمن الضروريّ التعامل مع هذه التّطورات بحذر، وتحقيق التوازن بين الفوائد والنظر المتأنّي في الآثار الأخلاقيّة والعمليّة المترتبة على ذلك.