أفتح جهاز تلفزيوني.. أجد القنوات الفضائية تضج بأخبار الحروب والصراعات في أجزاء متعددة من المعمورة، أغلق جهاز التلفزيون وأفتح هاتفي النقال لأجد الأخبار ذاتها، تعددت الأجهزة والحدث واحد، أغلقت كل شيء، وبدأت أنظر من شرفة شقتي لأجد انسياباً مرورياً في الاتجاهين خمس حارات ذهاباً ومثلها إياباً، يتحركون بفضل الله بأمن وأمان، تركت الشرفة واتجهت لأسفل سيراً على الأقدام لأجد سيارات ثابتة بجوار المنازل نافذة إحدى هذه السيارات مفتوحة نسي بعضهم هاتفه وأمتعته داخلها، ورغم كثرة المارين فلا أحد يقترب أو يلتقط شيئاً منها، عندئذ أدركت قيمة ما تنعم به البحرين من أمن وامان بفضل الله، ووجود قائد عظيم على رأسها، وفر لها الأمن والاستقرار بحكمته، وما اتسم به من تسامح وحب للسلام للعالم أجمع، ووجود رجال أمن شرفاء من الجيش والشرطة نذروا حياتهم لهذا الهدف السامي، حتى وإن قضوا نهارهم في حرارة الجو العالية، وأمضوا ليلهم بعيداً عن أسرهم وعيونهم ساهرة تحمي أمن البلاد والعباد، وتحافظ على المنجزات والمكتسبات الوطنية عندئذ رفعت يدي بالدعاء أن يحميهم الله جميعاً من كل سوء وأن يكرمهم بما وعدهم على لسان نبيه الكريم «عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ الله».

مع اتساع المجتمعات وتنوع الأنشطة ما بين اقتصاد وسياسة وإعلام وغيرها برزت مفاهيم جديدة للأمن، ولم يعد العمل منحصراً في حماية المجتمعات من الجرائم التقليدية، إنما برزت أنواع جديدة مثل الأمن الاقتصادي والإعلامي والفكري والثقافي والجريمة عبر الحدود، والأمن الإلكتروني المرتبط بفضاءات الإنترنت، وما جاء به الذكاء الاصطناعي من ممارسات لم تكن موجودة، وأصبحت الجرائم من هذا النوع ترتكب، والفاعلون لها جالسين في أماكنهم أمام الشاشات، وبات على أجهزة الأمن في كل دول العالم مهمة إدارة هذه الملفات وحماية المجتمعات من سلبياتها التي أضحت أكثر صعوبة، لأنها اتسمت بالذكاء الشديد ولأنها ذات مظاهر معنوية ومادية معاً مما زاد من جسامة المهمة وعظمها.

إن توفير الأمن متطلب سابق لأي تنمية أو تقدم، لأنها تحتاج لتوافر بيئة طبيعية آمنة يمارس فيها الإنسان عمله للتطوير والابتكار. فحاجة الإنسان للأمن تأتي بعد حاجته للطعام الذي هو أساس حياته مباشرة بنص القرآن الكريم «الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ»، فرغد الرزق والأمن هما من أكبر النعم الدنيوية، التي يقام عليها حياة الإنسان وإعماره للأرض.

تنعكس حالة الأمن والاستقرار على عموم المواطنين والمقيمين في الدولة، ذلك لأن هذه الحالة تعني أمن الإنسان على حياته وممتلكاته، لذلك كلما توافرت حالة الأمن كلما ابتعد الخوف عن الانسان، واتسم بالاستقرار النفسي وازدياد مستوى الصفاء الذهني الذي يساعده على حل مشكلات العمل وزيادة الرضا الوظيفي، عندئذ ترفع معدلات السعادة والإنتاجية بجانب العلاقات الاجتماعية الطيبة، وكلها عوامل أساسية للإبداع والابتكار ولا تتحقق إلا بتوافر الأمن. حيث دلت الأبحاث على أن هناك علاقة طردية بين توافر الأمن وبين زيادة معدلات السعادة والراحة النفسية بين المواطنين نظراً لابتعادهم عن العنف والكراهية وغيرها من أشكال الصدام الاجتماعي.

كما تنعكس الآثار الإيجابية لتوافر الأمن على نمو الاقتصاديات الوطنية في المدى القصير والبعيد، فالشخص الآمن أكثر إنتاجية وقدرة على العمل، والمجتمعات الآمنة أكثر جذباً للاستثمار الأجنبي، ووجهة لتدفق الأموال الخارجية، الأمر الذي يسهم في انتعاش الاقتصاد وتشغيل المصانع وحركة البيع والشراء وتوافر فرص عمل إضافية للشباب وهو ما تسعى إليه جميع دول العالم الآن.

يشير الواقع الدولي إلى وجود تأثير متبادل بين النظام الدولي وبين الأمن الداخلي للدول. فالأمن الداخلي والأمن الخارجي مرتبطان ارتباطاً وثيقاً، حيث ينعكس الأمن الداخلي على العلاقات الخارجية بشكل كبير، حيث تحدد المؤسسات الدولية سواء السياسية أو الاقتصادية شكل علاقاتها السياسية وتعاملاتها المالية مع الدول بناء على الحالة الأمنية داخلها، كذلك فإن الدول تسعى إلى إقامة علاقات طبيعية وإبرام اتفاقيات مع الدول الأخرى بناء على الحالة الأمنية داخلها، فالحالة الأمنية هي أحد أبرز العوامل التي تسهم في تحديد مستوى العلاقات الدولية بين الدول.

إن توافر الأمن والاستقرار هو نعمة من الله حبي بها هذا الشعب الطيب، وشرط أساسي للتقدم، وما كان ذلك ليتم لولا وجود قيادة رشيدة تعمل على استقرار الأمن الداخلي والخارجي، بجانب رجال وطنيين مخلصين من قوة الدفاع والشرطة نذروا حياتهم وأرواحهم لهذا الهدف الوطني، حتى يعيش الجميع آمنين على حياتهم وممتلكاتهم لذلك فالتحية والشكر واجب من كل من ينعم بهذا الأمن للقيادة الرشيدة ولكل رجال الأمن من قوة دفاع البحرين والشرطة الذين يعملون على توفير حالة الأمن والاستقرار للجميع في هذا البلد الطيب.

* أستاذ الإعلام وعلوم الاتصال