إن اختيار المنامة عاصمة للإعلام العربي لعام 2024 يعني اعترافاً عربياً وإقليمياً للمنامة كعاصمة للإبداع والثقافة والتنوع الثقافي والديني والانفتاح الحضاري والأخذ بتقنيات العصر في مملكة دستورية مدنية حديثة، بها جمهور مستخدم للإنترنت وصل إلى 1.48 مليون بنسبة 99% من الشعب البحريني وفقاً للإحصائيات الدولية، جمهور يتسم بالوعي والاستنارة والقدرة على التعاطي مع كل أشكال وسائل الإعلام التقليدية والرقمية، هذا بجانب معاني أخرى كانت بمثابة معطيات أوصلت المنامة لهذا الموقع الإعلامي المتميز بين عواصم المنطقة.

إن هذه المكانة الإعلامية تعني إقراراً إقليمياً وعربياً بأن البحرين تمتلك بنية تحتية رقمية متميزة، جعلت الاستخدامات الرقمية في جهات الدولة المختلفة، أمراً أساسياً متاحاً لكافة المواطنين، حتى صار النظام الرقمي يشكل دوراً محورياً في إدارة كافة الأعمال والخدمات، والإنتاج الإعلامي بكل أشكاله، بجانب رقمنة الإعلام عبر وجود موقع إلكتروني يعد امتداداً لكل وسيلة مطبوعة أو مسموعة أو مرئية.

على الدرب نفسه، يجب أن لا ننسى ريادة البحرين الإعلامية، حيث كانت أول دولة في منطقة الخليج تعرف الصحافة حين أسس الراحل عبد الله الزايد قبل 85 عاماً صحيفة البحرين عام 1939، واستمرت هذه الريادة الصحفية في تقدمها الفكري والتقني إلى أن وصلت إلى ذروته في ظل المشروع الإصلاحي الذي دشنه جلالة الملك المعظم حيث نالت الصحافة نصيباً كبيراً من هذا المشروع الريادي، حتى وصل عدد الإصدارات الصحفية الورقية والرقمية إلى أكثر من (18) وجميعها تعمل بأسلوب احترافي متنوع في المحتوى والسياسة التحريرية، لكنهم جميعاً متفقين في رسالتهم وهي خدمة المجتمع ووحدته وازدهاره بعد كانت الساحة الصحفية تتكون من صحيفتين يوميتين فقط.

كان انطلاق أول بث إذاعي في مملكة البحرين في عام 1940م، وانطلاق أول بث تليفزيوني عام 1973م عبر انطلاق البث لأول تليفزيون في البحرين وأول تلفزيون ملون في الخليج العربي عبر قناة RTV البحرين، واستمرت الريادة والتطور في هذا القطاع المرئي والمسموع إلى أن أصبحنا جزءاً مهماً من السماوات المفتوحة في عالم الفضائيات والبث عبر الأثير، وبعد قناة تلفزيونية واحدة بدأ بها تلفزيون البحرين بثه عام 1975، وصل عدد القنوات التليفزيونية الرسمية إلى خمس قنوات هي: قناة البحرين، وقناة البحرين الدولية، وقناة البحرين الرياضية 1، وقناة البحرين الرياضية 2، وقناة القرآن الكريم. وشهد تلفزيون البحرين خلال العقدين الأخيرين طفرات تقنية متقدمة، واكبت كافة تطورات الثورة الرقمية، وعمل التلفزيون خلال هذه الفترة على تشجيع الحركة الثقافية والأدبية، من خلال العديد من الإنتاجات والأعمال الدرامية والثقافية، التي ارتبطت بذاكرة ووجدان البحرين وحضارتها وهويتها الوطنية وتراثها الأصيل، وترسيخ قيم الولاء والانتماء الوطني، والمبادئ الإنسانية النبيلة التي تحث على التعايش والتسامح والإخاء وحوار الحضارات والثقافات.

لذلك يشير هذا الاختيار إلى الدور الكبير والمتميز الذي تقوم به وزارة الإعلام في إدارة العمل الإعلامي باحترافية وبمسؤولية اجتماعية تحافظ على الثوابت والمكتسبات الوطنية عبر تقديم محتوى إعلامي هادف يجمع ما بين المهنية العالية، والمسؤولية الاجتماعية في ظل بنية تحتية تكنولوجية متقدمة تؤهلها للقيام بدورها في إعلام المجتمع وتوصيل رسالته الإعلامية والسياسية والإنسانية إلى العالم أجمع.

تعني هذه المكانة أيضاً إقرار هذه المؤسسات الإقليمية والعربية بأن إعلام المنامة بات نموذجا في حرية الصحافة والإعلام، حيث تتوافر المعايير الثلاثة الأساسية التي أقرها أساتذة الصحافة على المستوى العالمي كمقياس للحكم على وجود حرية الصحافة في أي دولة وهي: حق إصدار الصحف دون شروط تعجيزية وحق ملكية الأفراد للصحافة دون قصرها على فئة أو حكومة وحق التعبير عن الرأي في إطار المسؤولية الاجتماعية نحو المجتمع، حيث نص قانون الصحافة في مادته (28) على أنه لا يجوز مصادرة الصحف أو تعطيلها أو إلغاء ترخيصها إلا بحكم من القضاء.

إن التطور الذي شهده الإعلام البحريني نوعاً وكماً خلال السنوات الخمسة والعشرين سنة الماضية، قد لفت انتباه المؤسسات والمنظمات الإقليمية والدولية الإعلامية، وصار يشكل نموذجاً يحتذى في الالتزام المهني والأخلاقي، كأعلام لديه مسؤولية اجتماعية تستهدف الحفاظ على تماسك المجتمع ووحدته والحفاظ على إنجازاته ومكتسباته الوطنية التي تمتعت بها البحرين في ظل المشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، وهذا ما أهل المنامة إلى هذه المكانة المتميزة كعاصمة للإعلام العربي لعام 2024.

* أستاذ الإعلام وعلوم الاتصال