تطرقنا في الجزء الأول من هذه المقالة إلى المعطيات الصحفية والتقنية والتاريخية التي أهلت المنظمات الإقليمية والدولية الإعلامية لاختيار المنامة كعاصمة للإعلام العربي لعام 2024، إلا أن هناك عوامل أخرى أكثر أهمية وهي توافر حرية الصحافة والإعلام ووجود ضمانات قانونية ودستورية توفر هذه الحماية، بجانب الدعم الكبير الذي يلقاه القطاع الإعلامي والصحفي من لدن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، ومن لدن صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله ورعاه.

إن اختيار المنامة كعاصمة للإعلام العربي يبرز ما تتمتع به من حرية صحافة، حيث إن القضاء العادل هو الذي يفصل في كل قضايا الصحافة والإعلام، وهذا يمثل ضمانة إضافية لتأكيد هذه الحرية الصحفية في البحرين إذ نصت المادة (51) من القانون رقم 47 الخاص بالصحافة والنشر في البحرين على حق الطعن أمام المحكمة الكبرى المدنية على أي قرار إداري يخص رفض الترخيص بإصدار الصحيفة.

هذا إلى جانب التشريعات الصحفية التي تحمي الصحافة، وتنظم عملها بدءاً من الإصدار وحتى الإجراءات الجزائية مروراً بكل التفاصيل المتعلقة بالعمل الصحفي وجوانبه المختلفة بما يشكل ضمانة أساسية تحمي المواطن والصحفي معاً، هذا إلى جانب ما اشتمل عليه من واجبات وحقوق للصحفيين لعل أبرزها ما نصت عليه المادة (81) من قانون الصحافة والنشر، والتي تمنع حبس الصحفيين احتياطياً في الجرائم التي تقع بواسطة الصحف، وهذه مادة لا يتم النص عليها إلا في قوانين الدول الديمقراطية الكبرى، ناهيك عن النص على حق الصحفي في الحصول المعلومات والوصول لمصادر المعلومات وغيرها من الحقوق والواجبات، كما هو وارد في المواد من (29) إلى (43)، وعلى الجانب الآخر فقد حمى القانون في المواد من (60) إلى (64) حقوق القراء والمواطنين في الرد والتصحيح لأي معلومات منشورة بشأنهم وألزم الصحف بسرعة النشر في نفس المكان والمساحة وحجم الخط دون مقابل مادي لنشر الرد والتصحيح.

لقد كانت الحماية الكبرى لحرية الصحافة والرأي هو ما نص عليه دستور مملكة البحرين الصادر في 2002 في المادة (23) على أن حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، وذلك وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون، مع عدم المساس بأسس العقيدة الإسلامية ووحدة الشعب، وبما لا يثير الفرقة أو الطائفية». وكذلك المادة (24) التي تنص على أن «حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون».

وهذه النصوص تشكل في مجملها حماية للصحفي والمجتمع معاً وتأكيد على حرية الصحافة ومسؤوليتها. المؤكد أن الضمانة الأكبر والأهم هي الرعاية الكريمة من حضرة صاحب الجلالة ملك البلاد المعظم للصحافة البحرينية، باعتبار جلالته الداعم الأول لها حتى وصلت لهذه المكانة المميزة، كما لا يخفى على أحد الدعم الكبير الذي تناله الصحافة والإعلام عموماً من صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، حيث شرفت الصحافة البحرينية برعايته الشخصية لها معنوياً ومادياً عبر رعايته لأكبر جائزة صحفية بالبلاد وهي جائزة سمو رئيس الوزراء للصحافة حتى صار حضوره الكريم وتوزيع الجوائز على الفائزين، يوماً فاصلاً في تاريخ الصحافة المحلية ينتظره كل المنتسبين للحقل الإعلامي من صحفيين وإعلاميين وأكاديميين وطلاب ورموز ثقافية وطنية ذات علاقة بالصحافة، نظراً لأن هذا الدعم والتشجيع قد فتح المجال للتنافس بين مئات الصحفيين وتقديم آلاف الأعمال الصحفية منذ بدء المسابقة، ولا شك أن هذه ضمانة إضافية أكبر تقدمها الحكومة الموقرة برئاسة صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء لتطور الصحافة وازدهارها، وهو ما ساعد الصحافة على الوصول لهذه المكانة المحلية والإقليمية وجعلها تتبع الأسلوب الرشيد والجاد والمحافظ في سياستها التحريرية، وهو النمط الذي تتبناه الصحف الكبرى في العالم وجميعها تصنف كصحف ذات مكانة واحترام وهو النهج الذي تتبعه صحفنا المحلية وإعلامنا الوطني والذي يبتعد عن أساليب الإثارة والصحافة الصفراء التي تقوم على التحيز والاختلاق والأخبار الكاذبة والإثارة بهدف تحقيق السبق الصحفي بصرف النظر عن دقة الخبر والمعلومة، والرغبة في تحقيق المكاسب المادية من زيادة التوزيع وجلب الإعلانات.

إن الرعاية الكريمة التي ينالها الإعلام المحلي من لدن جلالة الملك المعظم ومن لدن سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظهما الله، هي الركيزة الأساسية في التقدم والازدهار الذي أهل المنامة لتكون عاصمة الإعلام العربي 2024، حيث عمل جيل كبير من الشباب البحريني المتخصص أكاديمياً ومهنياً في علوم الإعلام والصحافة على الوصول إلى هذا الهدف، وتبوء هذه المكانة، عبر توافر كيانات صحفية وإعلامية وطنية تمثلت في وجود صحافة حرة وجمعية للصحفيين ووزارة للإعلام مليئة بالكوادر الشبابية الفاعلة الحريصين على تقديم محتوى هادف ذات مسؤولية اجتماعية وسياسية محترمة وراسخة تحافظ على الثوابت الوطنية بأسلوب مهني احترافي وتقني متقدم جعلت من المنامة عاصمة إعلامية ومثالاً يحتذى للإعلام العربي خلال عام 2024.

* أستاذ الإعلام وعلوم الاتصال