أيام قليلة وستنتعش الهواتف بالرسالة التي طال انتظارها مبشرة بإيداع الراتب الشهري لموظفي الحكومة وأغلب شركات القطاع الخاص، فيما سينتظر بعض موظفي الشركات الخاصة عدة أيام أخر ليحصل على البشارة.
«تم إيداع الراتب الشهري في الحساب».. رسالة ينتظرها الموظفون طيلة ثلاثين يوماً على أحر من الجمر، ليس لأجل زيادة الوديعة أو بناء ثروة جديدة؛ بل للبدء في تسديد المستحقات الشهرية الدورية، حيث قائمة توزيع «المعاش» جاهزة وتتكرر كل شهر؛ فما بين قرض الإسكان والقرض الشخصي وقرض السيارة، وفواتير الماء والكهرباء والهاتف، وأقساط المدارس والجامعات و«الماجلة»، وبعض الأشياء الأخرى «مني مناك»، حتى تكتشف بعد أيام أن حسابك البنكي قد عاد لما قبل تلك الرسالة.
الغريب أن هناك أموراً تحدث وتتوافق في الأغلب بعد وصول رسالة المعاش، مثل تعطل السيارة أو الحاجة الملحة لصيانة فورية لمكيفات المنزل أو حتى الإصابة بالمرض، حفظكم الله.. خصوصاً مشاكل تعطل السيارات، وكأن هناك علاقة خفية بين وصول رسالة البنك وماكينة السيارة، حتى أنني تخيلت أن يكون صانعو السيارات قد ربطوها بطريقة تكنولوجية خفية بالهاتف، وإلا ما تفسير تعطل السيارة تحديداً مع نزول الراتب!!!
مئات وربما الآلاف من الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، يزعم أصحابها أنهم ذو خبرة اقتصادية ورواد أعمال ومستثمرون، ينصحون الموظفين باتباع قاعدة 20/30/50، بمعنى أن تقسم دخلك إلى ثلاثة أقسام؛ الـ 50% لاحتياجاتك المعيشية الأساسية، بما فيها السكن والغذاء و.. و.. و..، والـ 30% للإنفاق التقديري وهو أن تقضي يوماً للتسوق أو قضاء الوقت مع الأصدقاء أو الترفيه، أما الـ 20% المتبقية فهي للادخار أو الاستثمار.
آمنت بالله.. شخصياً، وربما يوافقني كثيرون، على استعداد تام لإعطاء كل معاشي لواحد من هؤلاء الخبراء وله حرية التصرف فيه، وإذا استطاع ادخار 20 ديناراً شهرياً سأكون له من الشاكرين.
طيب؛ شنو الحل؟!
في ظل تغول النمط الاستهلاكي المجنون لن يستطيع أي أحد، مهما بلغ دخله الشهري، توفير أي مبلغ، لأنه كما يقال «الجاي على قد الرايح»، وربما يكون «الرايح» أكثر، لذلك نحن بحاجة ماسة لمراجعة أنماطنا الاستهلاكية، وتغيير ما انتشر من ثقافة تشجع على اقتناء أي شيء وكل شيء، حتى لو لم نكن بحاجة له، وأن ننزع من دواخلنا فكرة «التميز بالمظهر» و«التفاخر الكاذب» والرغبة في أن نكون دائماً الأوائل في اقتناء أي جديد. علينا العودة إلى نمط وثقافة الآباء والأجداد، والذين لم يتأثروا بكل ما حولهم من مغريات، عاشوا بأقل القليل وكانوا حامدين شاكرين، لأنهم يمتلكون ما لا نمتلكه اليوم، وهو القناعة، والتي قيل عنها قديماً «القناعة كنز لا يفنى»..
المهم؛ هانت كلها يومين وتوصلك الرسالة.