لم أجد صفة أنعت بها اللقاء الذي ستشهده البحرين يوم العاشر من شهر ديسمبر 2012، أفضل من المُوَلِّد «بمعنى الدينامو»، بفضل الحراك المهني والاقتصادي الذي ولدههما Meet ICT 2012 في السوق البحرينية، منذ انطلاقته قبل عامين، وتتنامى تأثيراتها خاصة خلال الأيام الأخيرة المعدودة التي باتت تفصلنا عن موعد افتتاحه.
يمكن تشخيص مظاهر ذلك الحراك في العلامات الأكثر بروزاً على طريقه وتتلخص في النقاط التالية:
1. مشاركة العديد من المؤسسات ذات العلاقة مثل صندوق تنظيم سوق العمل «تمكين»، وهيئة الحكومة الإلكترونية، ومجلس التنمية الاقتصادية، التي لم تكتفِ بتقديم الدعم المالي والسياسي فحسب، بل أصرت عل المشاركة في الإعداد والتنظيم أيضاً. تحولت اللجنة المنظمة، بفضل تضافر جهود تلك القوى سوية مع الشركة المسؤولة «مستقبل أعمال الخليج»، وجمعية «بيستا» إلى خلية نحل عاملة، من أجل توفير الظروف الأفضل لضمان نجاح هذه الفعالية. بعد آخر يجسده هذا التحالف المهني، هو توفير البيئة الإنتاجية الخصبة التي تثمر فوقها أشكال التعاون بين مكونات المجتمع المختلفة: القطاع الخاص، سوية مع القطاع العام، دون استثناء منظمات المجتمع المدني النشطة.
2. تعزيز دور قطاع تقنية المعلومات والاتصالات في مملكة البحرين في الاقتصاد الوطني، وتنمية مشاركته الفعالية الملموسة في نقل رؤية 2030، من مجرد خطة استراتيجية مقرة، إلى برامج ملموسة على أرض الواقع. حيث سيفسح Meet ICT 2012، في المجال أمام الشركات البحرينية، وخاصة الصغيرة والمتوسطة منها، النشطة في هذا القطاع على وجه التحديد، كي تعرض منتجاتها، بل وحتى الخدمات التي توفرها، كخطوة على طريق ترويجها، ليس في الأسواق البحرينية، فحسب، وإنما تلك الإقليمية والدولية أيضاً.
3. توفير قبة جديدة لحوارات مهنية من نمط جديد، تحتضن عناصر تحريك أسلاك ذلك المولد، فمن بين فعاليات Meet ICT 2012، هناك حلبة لقاء مديري تقنية المعلومات والاتصالات في المؤسسات، مع الشركات البحرينية العاملة في هذا القطاع الحيوي، والمهم بالنسبة للاقتصاد البحرين. جوهر هذا الحوار هو إفصاح الأوائل عن مشروعاتهم وخططهم، وبالمقابل كشف الآخرين عن منتجاتهم، وخدماتهم التي يوفرونها. على نحو موازٍ، هناك حلقة «توافق الأعمال» «Business Matching» النقاشية. ما يميز هذه الحلقة النقاشية عن سابقتها التي سيحضرها المديرون، هي أنها تضع الشركات البحرينية، مع نظيراتها الدولية والإقليمية، دون استثناء البحرينية منها أيضاً، تحت قبة واحدة لبحث أشكال التعاون الممكنة.
بقدر ما تضفي تلك المظاهر على Meet ICT 2012 صفة المولد، فهي، في الوقت ذاته، تضع على الجهات التي تقف وراءه مسؤولية وطنية من جانب، وتطالبها بأن تحث جهودها، وتكتل قواها، من جانب آخر، كي يتحول Meet ICT 2012، من مجرد فعالية تجارية دورية محضة، إلى عنصر مهم من عناصر تنمية السوق البحرينية، والاقتصاد البحريني على حد سواء، كي ترقى البحرين إلى أحد المراكز الإقليمية المرموقة في قطاع تقنية المعلومات والاتصالات وذلك من خلال الخطوات التالية:
1. التكامل مع فعاليات أخرى، وفي المقدمة منها «منتدى الحكومة الإلكترونية»eGovernment Forum، الذي يعقد سنوياً، والذي يشكل أحد العلامات الفارقة في طريق صناعة تقنية المعلومات والاتصالات البحرينية. هناك أيضاً علامة أخرى في الطريق ذاته هي جوائز المحتوى الإلكتروني التي تحتضنها البحرين، مثل «الجائزة العربية للمحتوى الإلكتروني». وبشأن هذه الأخيرة، لابد من التأكيد على أن البحرين كانت من الدول العربية السباقة في مجال الالتفات نحو المحتوى الإلكتروني، فكانت الأُولى بين العرب التي احتضنت قمة الجائزة الدولية، في العام 2005، كما كانت العربية الأُولى التي دشنت الجائزة الوطنية للمحتوى الإلكتروني. ليس المطلوب من هذا التكامل الذي ندعو إليه، اقتصاره على التعاون والتنسيق فحسب، على أهميتهما، وإنما الارتقاء بها جميعاً، دون التضحية بأي منها، كي تتحول إلى برنامج وطني يعالج مشكلات هذا القطاع، ويضع الحلول المناسبة له، ويعمل على تطوير أداء الشركات النشطة في صناعته.
2. التطوير النوعي، وليس الكمي فقط، في أنشطة الفعالية ذاتها، فقد أتى الوقت الذي يقتضي انتقال Meet ICT 2012 من مجرد زيادة دورية في عدد الشركات العارضة، والمتحدثين المتميزين، إلى الارتباط بالسوق المحلية، وترويج هذه الأخيرة في الأسواق العالمية. مثل هذه النقلة النوعية بحاجة، وكشرط أساسي للنجاح، إلى رؤية ثاقبة ومتكاملة، تؤمن بدور هذا القطاع في الاقتصاد الوطني، وتنطلق من واقع السوق البحرينية في هذا القطاع، ومقارنتها بالأسواق الإقليمية، كل ذلك في سياق التعرف على جوانب التكامل، ومكامن التنافس بينها وبين تلك الأسواق. يلي ذلك تأسيس منظمة المجتمع المدني الكفؤة، القادرة على صهر إمكانات القطاع العام، وقدرات القطاع الخاص، في بوتقة واحدة، سوية مع المهارات الفردية، كي تكون الحاضنة للقطاع والمسؤولة عن همومه، والمجسدة لطموحاته، والمنفذة لبرامجه.
3. التحول من مجرد فعالية دورية إلى منصة إلكترونية دائمة، تقوم عليها بوابة إلكترونية دينامية متفاعلة، تمتلك مقومات الاستمرار والنمو القادرة على الربط المستمر بين أعضاء فريق صناعة تقنية المعلومات والاتصالات البحرينية، أفراداً كانوا أم مؤسسات، شركات كانت تلك المؤسسات أم إدارات في الدولة، تأخذ على عاتقها جمع ومعالجة، وإعادة بث، عبر قنوات إلكترونية متطورة، كل ما له علاقة بهذا القطاع. مثل هذه المنصة ستحفر قبرها بيديها، وفي يوم ولادتها، إن لم تقم بتلك المهمات التي تحدثنا عنها، بكفاءة عالية، تخضع للمقاييس العالمية، متجاوزة من خلال تلك المقاييس، نظيراتها من المعايير المحلية، أو حتى الإقليمية.
4. الالتفات الجاد المنهجي للشركات الصغيرة والمتوسطة، فهي في البحرين، أسوة بنظيراتها في الدول الأخرى، بما فيها تلك التي تحتضن أسواقاً كبيرة، وصناعات متقدمة، في قطاع تقنيات الاتصالات والمعلومات، تشكل العمود الفقري للاقتصاد الوطني. هذه الالتفاتة لابد لها إن هي أرادت أن تحقق الإنجاز المتوخى من ورائها، أن تتجاوز الأشكال التقليدية في العلاقة المطلوب بناؤها بين أنشطة الفعالية وشركات القطاع، وتنتقل إلى ما هو أرقى من ذلك بإشراك الجميع في تحويل الفعالية إلى قناة اتصال وتواصل بين تلك الشركات والأسواق التي تبحث عنها، والأفراد المستهلكين الذين تخاطبهم. نجاح هذه العلاقة رهن ببناء طريق ذات اتجاهين تسير فيه بشكل متكامل الفعالية وتلك الشركات.
5. الاهتمام بالمؤسسات التعليمية، وخاصة الإدارات ذات العلاقة بقطاع المعلومات والاتصالات، فهي المفرخة التي تمد القطاع بالأبحاث والدراسات التي يحتاجها لتطوير أدائه من جانب، وهي أيضاً المعين الذي لا ينضب لتزويده بالموارد البشرية الكفؤة الذي هو في حاجة مستمرة لها، وبوتائر متسارعة، كي يختار الأفضل بين صفوفها. مقابل ذلك، ولضمان توفر أقوى متطلبات النجاح في تلك العلاقة، لابد أن يؤمن Meet ICT 2012، القناة الحاضنة القادرة على توفير الفرص التي تفجر طاقات طلاب تلك المؤسسات، وتوجيه خطواتهم، على طريق تكتنفها الكثير من التحديات.