خلق الله الإنسان وجعل في طبعه أنه لا يستطيع العيش منفرداً، وإنما يكون ضمن جماعة من الناس في المجتمع، وفي شتى سبل الحياة، ففطرة الإنسان التي خلقه الله عليها وبوصلته في الحياة الاعتيادية تتجه دائماً وأساساً إلى حب الخير، وتقديم أفضل الأعمال له، ولمن حوله، محاولاً بذلك صد الشر الذي توسوس به نفسه. ومن هنا يأتي دور العمل التطوعي الذي يكون في مقدمة مصادر الخيرات التي تظهر الصورة الحقيقية عن أي مجتمع وتعكس مدى ازدهاره من حيث سمو الأخلاق والصفات الحميدة والعمل الإنساني بين أفراده. لذلك يحسب للمجتمع الذي يتمتع بذلك الوصف من المجتمعات الاجتماعية الإيجابية ذات السلوك الحضاري الذي يحقق التوازن في الرفاهية ويعزز قيم التعاون والتعاطف والتراحم بين أفراد المجتمع الواحد، ويعرف العمل التطوعي بأنه مدُّ يد العون والمساعدة والاجتهاد للوصول إلى أحسن النتائج من أجل ما يصبو إليه المجتمع من خير ورفعة على وجه العموم ولأفراده على وجه الخصوص. ويعد العمل التطوعي من أفضل الأعمال التي يقوم بها الإنسان والتي تقود إلى رفع الهمم والمهارات التي توصل الفرد الذي ينجزها إلى القيادات والوظائف التنفيذية العليا تدريجياً، بدءاً من التطوع في العمل بالمؤسسات غير الربحية، فالتطوع يزيد العاملين فيه وبالأخص حديثي السن بخبرات قد لا يجدها غيرهم، فلنبدأ بالشباب، فالشباب طاقة متجددة يوماً بعد يوم وهذه الفئة العمرية من البشر هي التي تقدم دائماً نفسها للعمل التطوعي بجميع أشكاله وهم عدة المستقبل. ومن يرى فيهم الخير الكثير ولأوطانهم ولبلدانهم ولجميع من يحتاج لهم من تقديم العون والمساعدة، وانضمامهم إلى العمل التطوعي يقيهم من الفكر المنحرف والمتطرف الذي قد يقودهم إلى مسارات العنف والإرهاب، ويحفز فيهم كذلك القيم الاجتماعية ذات الأصالة والمواطنة الصالحة، كما تتحقق لهم الأهدف السامية لرفع الذات. ومن هنا نركز في العمل الذي يمكن من خلاله زرع القيم الأخلاقية والاجتماعية وهذا مهم جداً ترى في غيابه ظهور الأصوات النشاز التي تؤثر سلباً على المجتمع في دفع عجلة التقدم.

وللعمل التطوعي عوامل قد تدفع الناس للانضمام إليه، ومنها الإحساس بالراحة التامة في خدمة المجتمع، فإن ذلك يساعد على رفع الروح المعنوية، واستغلال هذه العوامل والاستمرار في استثمارها، كما إن المفاهيم عند الجيل الجديد بدأت تتجه للأعمال الخيرية والتطوعية، وتتكيف معها بوعي وثقافة عالية في هذا الجانب، وعامل الانفتاح الإعلامي والتواصل الاجتماعي الإيجابي سهل علينا بعض المفاهيم التي كانت بعيدة عنا.

ومن اللافت في بعض الدراسات أن التطوع يجعل المتطوعين يشعرون بأنهم أكثر تواصلاً اجتماعياً، كما بينت الدراسات أيضاً أن العمل التطوعي له مردود اقتصادي غير مدفوع الأجر يضاف إلى قيمة الاقتصادات الوطنية. ويذكر مكتب الإحصائيات القومي في المملكة المتحدة أن المتطوعين يساهمون بعمل له مردود ذو قيمة مالية كبيرة تعود بالنفع على الاقتصاد القومي البريطاني، وهذا يضاف إلى إجمالي الناتج المحلي. وتذكر بعض التقارير أن هناك أعداداً كبيرة من سكان العالم يتطوعون لمساعدة غيرهم في مختلف الخدمات والصنوف، فالمتطوعون يكتسبون مهارات جديدة في الوقت الذي يساعدون فيه مجتمعاتهم وخصوصاً في البنية الأساسية التي تساعد على التطور والانتقال من مرحلة إلى مرحلة أعلى، وتلك المخرجات تنتج عنها سياسات إستراتيجية تخلق منها مؤسسات ومنظمات ذات بعد قانوني وكذلك معايير تنير الطريق للعمل التطوعي وبالأخص بعدما جاءت فكرة إدماجه في رؤية 2030 لتعزيز التنمية المستدامة وتجعل منه دستوراً يحتكم إليه.