صادق النايم - باحث رقمي




في هذه الأيام يكثر الحديث حول تهديد التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي بالتحديد لوظائف البشر وأرزاقهم، ما يشكل مصدر خوف للكثيرين حول مستقبلهم الوظيفي ومستقبل أبنائهم، وتزداد هذه المخاوف والتساؤلات مع تسارع تقدم الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، فهل فعلاً سينهي الذكاء الاصطناعي مهننا وسيحل محلنا في سوق العمل؟


هذا سؤال يشغل العديد من الأذهان، ولكن إذا نظرنا إلى تاريخ البحرين، نجد درساً قيماً في كيفية تطور المهن وتكيف الإنسان البحريني تاريخياً مع التغيير، في الزمن القديم ارتبطت العوائل في البحرين بمهن تقليدية مثل الصفار والتتان والنجار والحواج والقطان والحداد والقلاف والخياط والخباز وغيرها من العوائل المحترمة التي لا يسعني ذكرها في هذا المقال، وكانت هذه المهن جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية للمواطن البحريني وعموداً من أعمدة اقتصاد المملكة، ومع مرور الزمن وتطور الثورات الصناعية والتغييرات الاجتماعية المتعاقبة، تغيرت المهن وتنوعت، فالعائلات التي كانت تعيش على مهن معينة في الماضي نجدها اليوم تعمل في مهن وحرف جديدة.

على سبيل المثال، فالعائلة التي أنتمي إليها عائلة الحايكي كانت معروفة بمهنة الحياكة في الزمن القديم، ولكن اليوم لا نجد أبناءها يعملون فيها بل انتقلوا إلى وظائف جديدة تتناسب مع تطور الزمن، هذا التاريخ يعكس مفهوماً مهماً أن التغيير من سنن الحياة وهو جزء لا يتجزأ من سيرة الأجيال وتطورها، فالمهن تتطور دائماً وتتغير فبعضها ينتهي وبعضها يتولد بشكل متواصل.

إن القدرة على تعلم مهارات جديدة وتكيفها مع المستجدات هي مفتاح الازدهار في هذا العصر، والتنبؤات بتغيير التكنولوجيا للوظائف في سوق العمل ليست بالجديدة، ففي عام 2018 تجسدت هذه التوقعات بالنسبة لي عندما حضرت مؤتمر شركاء التدريب العالمي لاتحاد النقل الدولي IATA في إسطنبول، وقد ركزت بعض المحاور آنذاك عن آفاق ومستقبل العنصر البشري في صناعة الطيران والتوقعات بانتهاء وظيفة الطيار في مجال النقل الجوي التجاري في المستقبل القريب واستبدالها بالطائرات بدون طيار، الأمر الذي سيؤدي إلى ازدياد الحاجة إلى العنصر البشري الداعم للجوانب الهندسية والفنية لهذا النوع من الطائرات، حينها استوعبت أهمية تطوير المهارات والمعرفة في هذا العصر المتغير بسرعة.

وما يعزز هذا الفهم في مملكة البحرين اليوم هو التوجه الحكومي الواضح لتأهيل الشباب للمهن الجديدة الحالية المرتبطة بالتكنولوجيا مثل هندسة البرمجيات والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني وغيرها، وقد تم توفير العديد من المبادرات التطويرية في هذا الجانب الأمر الذي يمنح الشباب الفرصة لاكتشاف مواهبهم واكتساب المعرفة والمهارات التي تمكنهم من المشاركة بنجاح في سوق العمل الحديث، وما يؤكد هذا السياق، تصريح صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله مؤخراً عبر الإذاعة بأهمية التغيير كجزء من سيرة الحياة، فالتغيير هو الثابت الوحيد، ويجب على الناس قبوله والاستعداد للتكيف معه، هذا هو البحريني منذ القدم يعكس الحكمة في مواجهة التحديات والاستفادة من الفرص.

وفي الختام، يجب أن نعترف بأن التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لا يأتون ليحلوا محل الإنسان، بل يأتون لتعزيز إمكانياته وتمكينه، وبناءً على تاريخ البحرين وبوجود هذا الكم من المبادرات التطويرية للشباب في البلد، يمكن للشباب مواجهة المستقبل بثقة كبيرة مع معرفتهم حول الاستفادة من التقنيات الحديثة لتحقيق النجاح والازدهار الشخصي والمهني.