أميرة صليبيخ


تـأسرني المفردات والكلمات العربية الفصحى في أحاديث الآخرين وتجعلني أنصت باهتمام شديد لما يقولون، فأحاول اصطياد كلمات جديدة فيما يقولون، وأحاول الاستمتاع باكتشاف شخصياتهم وثقافتهم وخلفيتهم التعليمية وتنشئتهم والبيئة المحيطة بهم، والكثير الكثير عنهم، من خلال بضع كلمات فقط. وكلما كان توظيفهم للغة العربية في الحديث أكثر كلما وقعت سريعاً في حب الكلام معهم ومنحتهم المزيد من اهتمامي وربما «كل أذني وعقلي».

المعضلة الوحيدة التي واجهتها هي أن هؤلاء الأشخاص نادرين، ولم أقابل منهم سوى عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة على مر السنوات العشر الماضية أو ربما أكثر، وهو مؤشر على أن هناك خلل ما. لا أقول إنه عليك أن تتوقف عن استخدام اللهجة العامية الدارجة وأن تحدثني بالفصحى لأنه الأمر سيبدو مثاراً للسخرية، ولكن ما أقوله هو أنه من الجيد أن يعمل الشخص على زيادة حصيلته اللغوية ويبدأ في تطعيم حديثه اليومي بها. ليس من باب الفذلكة والفلسفة، ولكن لأن اللغة العربية تستحق منا هذا الاهتمام. نحن الذين نحمل لواءها وننقلها للآخرين، تأصيلاً لمكانتها واحتراماً لقيمتها، لأن لغتنا فاخرة فخمة عميقة، تخلدّ إرثنا العربي على مدى العصور وتعكس هويتنا العريقة.

ما يحدث الآن هو أن اللغات الأخرى باتت تزاحم اللغة العربية، وأصبحت سيادتها أكبر في أحاديثنا، ومعاملاتنا، وحتى في تعبيرنا عن مشاعرنا، وكأن اللغة العربية عاجزة عن نقل هذه المشاعر بأعمق وأفضل شكل. كما أنها أخذت تنحسر عن كلامنا خصوصاً في جيل الألفية الجديدة، الذي بات يتباهى بإتقان اللغات الأخرى على حساب لغتنا العربية المصابة بالهشاشة اللغوية.

تتطلب منا العولمة توحيد اللغة حتى نعيش بسلام في قريتنا العالمية المشتركة. ولا بأس في ذلك، فاللغة صلة الوصل مع الآخرين، وجسرٌ ممدود بين عقول وقلوب الشعوب والأمم، يسهلّ انصهارها مع بعضها ويعمّق درجة الفهم الإنساني فيما بينها، ولكن علينا في الوقت ذاته أن نتشبث بلغتنا العربية أكثر وأن نورثها للأجيال القادمة، إذ لا أعتقد أن هناك لغة أعظم من لغتنا العربية سيدة كل اللغات، فقد كانت الأمم السابقة تضطر لتعلمها حتى تخاطب الأمراء وولاة الأمر! نحن حاجة ماسة لأن نعيد للغة هيبتها بين اللغات العالمية، وأن نعيد غرس حبها في قلوب الأجيال عبر المبادرات القيمة والممتعة في الوقت نفسه، وتبسيط أساليب التعليم وعمل المسابقات التي تعزز الشعور بالفخر بها كجزء لا يتجزأ من الحضارة والثقافة والدين.